الأقليات والاستعمار الغربي والصهيوني
الأقليات والاستعمار الغربي والصهيوني
نصل إلى أن الأقليات اعتُبِرت “ورقة ضغط” وثغرة واضحة في يد الاستعماريين “إنجلترا وفرنسا” لفرض هيمنتهم، وهذا ما حدث حين لعبت فرنسا بورقة الأقلية الأمازيغية في المغرب العربي، فألحقت عاداتها وأعرافها بالقانون الوضعي الفرنسي كبديل عن الشريعة الإسلامية، ثم ألحقتها لغويًّا بالفرنسية بدلًا من العربية، وفي لبنان نجد فرنسا تستغلُّ الأقلية المارونية وتحولها بواسطة التغريب الثقافي ومدارس الإرساليات التبشيرية إلى ثغرات اختراق للدولة.
وفي عام 1948م سنجد أن الكتابات الصهيونية قد علمت أن القوة التي ستُمكنهم من الوجود في قلب الوطن العربي دون تهديد هي استغلال الأقليات بشتى أنواعها كالدينية والمذهبية والقومية، وهذا ما ذكره “أرييل شارون” في محاضرة له في 18 ديسمبر 1981م لما كان وزيرًا للدفاع، حيث وصف أن لإسرائيل مجالًا حيويًّا من الصين شرقًا وحتى المغرب العربي غربًا، ويقصد بالمجال الحيوي المجموعات القومية والإثنية والمذهبية المتناحرة.
والمفاجأة هنا هي ما ذكرته “المنظمة الصهيونية العالمية” في ثمانينيات القرن الماضي عن استراتيجية إسرائيل للفترة المقبلة التي تتمثَّل في التفتيت باستخدام الأقليات، وكان أول نجاح لهم هو ما حدث في لبنان -إبان الحرب الأهلية اللبنانية 1975: 1989- بواسطة الأقلية المارونية، ثم تذكر المنظمة أن دولًا مثل ليبيا والسودان والدول الأبعد منهما، لن تبقى على صورتها الحالية، والتخطيط لرؤية دولة قبطية مسيحية في صعيد مصر، لكنهم أشاروا إلى أن معاهدة السلام قد أخَّرت هذا المخطط الذي لم يُستبعد برغم ذلك، ثم تنتقل إلى ضرورة تفتيت سوريا والعراق لاحقًا إلى مناطق ذات خصوصية إثنية ودينية، لاحظ أن ذلك المشروع قد تم عرضه في ثمانينيات القرن الماضي، وأن ربما معظمه قد تحقَّق الآن.
الفكرة من كتاب الإسلام والأقليات: الماضي.. والحاضر.. والمستقبل
إن نقطة قوة الحضارات تكمن في أقليَّاتِها، فمنها تعرف أتستقرُّ الحضارة أم تزول ولا يبقى لها أثر، وكذا الحال في إمبراطوريات مضت كالرومانية التي لم تُهلك إلا بالأقليات الموجودة بها، ولقد كان من الضروري أن نتعمَّق في موقف الإسلام مع الأقليات والسياسة التي تعامل بها معهم حينما كانوا تحت ظلاله ولا يزالون.
وعمومًا، فبمرور الزمن وتتابع التاريخ ستجد أن سياسةً استعمارية قد بلورت أهدافها على يد هذه الثغرة؛ ثغرة الأقليات، وكلُّ ما عليك أن تدعم أقلية وتسلِّط الضوء عليها، فهذا يكفي لإسقاط دولة سمحت لك بالتغلغل في هذه الثغرة كدول لبنان وسوريا والعراق وليبيا، فما القصة؟
مؤلف كتاب الإسلام والأقليات: الماضي.. والحاضر.. والمستقبل
الدكتور محمد عمارة (1931-2020)، هو مفكر إسلامي مصري، وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، وعضو هيئة كبار علماء الأزهر الشريف، ورئيس تحرير مجلة الأزهر سابقًا، حصل على الليسانس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية عام 1965م من كلية دار العلوم جامعة القاهرة، ثم نال درجة الدكتوراه في الفلسفة الإسلامية عام 1975م، وألَّّف ما يصل إلى 147 كتابًا، ومن أهم مؤلفاته:
عندما دخلت مصر في دين الله.
مقوِّمات الأمن الاجتماعي في الإسلام.
القدس بين اليهودية والإسلام.