الأطراف الشبحية
الأطراف الشبحية
تعمل اللدونة في خدمة الألم أيضًا، فـ ٩٥٪ من مبتوري الأطراف يشعرون بألم مكان الطرف المبتور، نساء يشتكين آلام الطمث بعد استئصال الرحم، وآخرون يعانون أوجاع القرحة والمستقيم رغم إزالتهما، ومرضى يشعرون بحاجة إلى التبول رغم قطع المثانة!
إنها مشكلة حيَّرت الأطباء لزمن طويل، إلى أن جاء سيلاس وير ميتشل، وهو طبيب أمريكي يعتني بجرحى الحرب الأهلية، فكان أول من تنبه لهذه المشكلة وسماها في البداية “الأشباح الحسية” ثم ظاهرة “الأطراف الشبحية”، ليس ألمًا فحسب، بل كانت الأطراف المبتورة وحدات مستقلة يشعر بها المريض كأنها تلوح للترحيب أو تمتد عفويًّا للإمساك بشيء، وافترض بعض الأطباء أنه لا يعدو نتيجة للتفكير الراغب في إنكار خسارة الطرَف؛ ولكن الأطراف المبتورة تُستثار عند الحركة، ولجأ بعضهم إلى قطع العضو تسلسليًّا (جزء جزء) لحل المشكلة ولكن لم يفلحوا.
وأولى الطبيب راماشاندران اهتمامًا للأطراف الشبحية وافترض أن اللدونة قد تفسرها، فيمكن أن تكون خريطة دماغية أخرى قد غزت خريطة الأذرع المفقودة بعد حرمانها من المنبهات الواردة، ومن أجل اختبار فرضيته؛ أجرى مسحًا دماغيًّا عالي التقنية (MEG) لحالة مريض فقد يده في حادث سيارة، ووجد أن خريطة يده في الدماغ يتم استغلالها في معالجة الإحساسات الواردة من الوجه! أي إن خريطتي الوجه واليد اختلطتا معًا، وفسر راماشاندران أنه عند فقد جزء من الجسم تتوق خريطته في الدماغ إلى التنبيهات الواردة منها، فتطلق عوامل نموٍّ تحفز الأعصاب في الخرائط المجاورة لإنبات براعم جديدة، وغالبًا تتصل بأعصاب مماثلة لها، ودينامية خرائط الدماغ وتغيرها الدائم سبب آخر للأطراف الشبحية.
لكن ليست كل الأطراف الشبحية مؤلمة؛ فقد اعترف أشخاص بُترت سيقانهم أنهم يشعرون بهزة الجماع، وكشف طبيب إيطالي أن بعض النساء اللواتي اُستئصلت أثداؤهن يشعرن بإثارة جنسية حال مسِّ آذانهن أو عظام صدورهن، ورغم اتهام هؤلاء بالخيال المفرط فإن راماشاندران يجادل بمنطقية ادعاءاتهم لأن هذه الأعضاء مجاورة للأعضاء التناسلية في توزيع الخرائط الدماغية.
الفكرة من كتاب الدماغ وكيف يطوِّر بنيته وأداءه
لا تزال نظرية الدماغ غير المتغير مسيطرة على مجتمع علماء الأعصاب منذ عهد ديكارت، الذي تعامل مع الدماغ على أنه مستقبِل سلبي للمحيط الخارجي، ونتج عن ذلك النظر إلى الدماغ كآلة محكمة الدوائر؛ كل جزء فيها يؤدي وظيفة محددة لا ينفك عنها، والاعتقاد بأن حالات العجز الناشئة عن تلف دماغي لا يمكن شفاؤها.
لكن نورمان دويدج في هذا الكتاب يرصد قصصَ نجاحٍ واقعية باهرة لشفاء مثل تلك الحالات بتطبيقات اللدونة العصبية؛ وهي قابلية الدماغ للتغيير والتعديل عن طريق قيام خلايا سليمة بالوظائف التي كانت تؤديها الخلايا التالفة، وهو ما يعتبره المؤلف ثورة في مجال علم الأعصاب، ونترك للقارئ حرية التأييد أو الانضمام إلى صفوف المشككين في القدرات الخارقة للدونة العصبية.
مؤلف كتاب الدماغ وكيف يطوِّر بنيته وأداءه
نورمان دويدج Norman Doidge: محلل وطبيب نفساني كندي، درس الكلاسيكيات الأدبية والفلسفة، والطب في جامعة تورنتو، ثم انتقل إلى نيويورك وحصل على شهادة في التحليل النفسي من جامعة كولومبيا، ثم زمالة المعهد الوطني لبحوث الصحة العقلية لمدة عامين، للتدريب على تقنيات العلوم التجريبية. وبعد عودته إلى وطنه عمل رئيسًا لمركز العلاج النفسي وعيادة التقييم في معهد كلارك للطب النفسي. حصل دويدج على جائزة ماري سيغورني عن كتاباته العلمية حول اللدونة العصبية وأبحاثه في التحليل النفسي.
من أبرز مؤلفاته:
The Brain’s Way of Healing
The Brain that Changes Itself
Neustart im Kopf: Wie sich unser Gehirn selbst repariert
معلومات عن المترجمة
رفيف غدار: مترجمة، ترجمت كتبًا مهمة منها: “الإلمام بالحقيقة”، و”علم الفراسة”، و”فن الاسترخاء”.