استقلال الأخلاق عن الدين
استقلال الأخلاق عن الدين
تفرَّعت دعوى استقلال الأخلاق عن الدين -وهي الصور الثالثة من صور علاقة الأخلاق بالدين- من مبدأ “لا وجوبَ من الوجود” لدافيد هيوم، فلا نتيجة أخلاقية تلزم من قضايا غير أخلاقية، كأن يُقال: “في العِلم منفعة للإنسان” تلك قضية خبرية لا تتعلَّق بالأخلاق، (فطلب العلم واجب) نتيجة أخلاقية، ومن ثم يُخرج الأحكام الدينية من الأحكام الأخلاقية، ويحصر الحكم الديني في الإخبار عن الغيبيات، ولما كان الشيء الخبري عنده غير الشيء الخلُقي، فلا يصح أن يستنتج منه حكمًا أخلاقيًّا، كما يرى أن الأحكام الدينية لا تصلح لتأسيس الأحكام الأخلاقية، إذ إن الخير والشر عنده توجبهما طبائع الأشياء ذاتها، لا إرادة مريد كائنًا من كان.
ويرد الكاتب على ذلك بأن هيوم جعل الدين بمنزلة “نظرية في الغيبيات” بينما حقيقة الدين مؤسسة، ومقتضى المؤسسة أنها تنطوي على أحكام وجوب كما تحتوي على أحكام وجود، ولازم ذلك أن يتضمن الدين مجموعة من الأقوال التي تخبر عن الموجودات حسية كانت أو غيبية، وأقوالًا وجوبية تحدد العلاقة بين تلك الموجودات، كما أنه اعتبر أن أصل الأخلاق هو “الحِس الأخلاقي المشترك بين الناس”، ونحن إذا تأمَّلنا ذلك، وجدناه يطابق ما يعرف في الدين “بالفطرة”، وهو ذلك الشعور الذي يولد به الإنسان في كمال خِلقته، فيكون هيوم قد استمدَّ من الدين بطريق مباشر أو غير مباشر الأصل الذي بنى عليه نظريته في الأخلاق.
ولا عجب عندما يزعم هيوم أن العقل لا يمكنه إدراك القيمة، ثم بعقله لا يدرك فقط مفهوم القيمة، بل يدرك مصدر القيم جميعًا ويطلق عليه الحِس الخلقي، فلا مفر من التسليم بالخبر الإلهي بأنه المصدر الحقيقي للعِلم بالقيمة الخلقية، وأن سبب الشعور بها في الوجدان مرجعه الفعل الإلهي.
الفكرة من كتاب سؤال الأخلاق.. مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية
قد التبس الأمر على دُعاة العقلانية من المُحدَثين، فظنُّوا أن العقلانية واحدة لا ثاني لها، وليس الأمر كذلك، إذ تأتي العقلانية على قسمين، فهناك “العقلانية المجردة من الأخلاقية” وتلك يشترك فيها الإنسان مع البهيمة، وهناك “العقلانية المُسدَّدة بالأخلاقية”، وتلك يختص بها الإنسان عمَّن سواه، فالأخلاقية هي ما يكون بها الإنسان إنسانًا، إذ يجب أن تتجلى الأخلاقية في كل فعل من أفعال الإنسان.
مؤلف كتاب سؤال الأخلاق.. مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية
الفيلسوف المغربي المجدد طه عبد الرحمن، متخصِّص في علم المنطق وفلسفة اللغة والأخلاق، أحد أبرز الفلاسفة والمفكرين منذ سبعينيات القرن الماضي.
كتب العديد من الكتب التي يؤسس من خلالها فلسفة إسلامية جديدة، ومن تلك الكتب: “العمل الديني وتجديد العقل”، و”روح الحداثة”، و”بؤس الدهرانية”، و”ما بعد الدهرانية”.