احذر من مثل هذا التعاون
احذر من مثل هذا التعاون
رغم المزايا التي سنحت للجنس البشري جرَّاء عمليات الإيثار والتعاون غير المشروط بين أفراد الجماعات المختلفة فإن وجهًا آخر لذلك النمط يتعلَّق بالعلاقات بين أفراد تلك الجماعات وأفراد الجماعات المنافسة والتي تتمثل في صور الخشية والارتياب والحقد والاحتقار: “إذا استعرضت قدرتنا على الحقد والعنف، من منظور تجريبي، فإنها تبدو مثل قدرتنا على عقد الصداقات وعلى التعاون”، تلك هي الرسالة التي يحاول من خلالها المؤلف تفسير صور الكراهية المختلفة التي تصدر من الذرَّات الاجتماعية الحية كناتج طبيعي من تاريخ مضطرب مليء بالتنافس بين الجماعات.
من المفترض لأي جماعة في بداية نشأتها أن تعرف عن نفسها، وذلك التعريف يتضمَّن وجود سمات وخصائص يشترك بها جميع أعضائها، وعلى أساس هذا التعريف يمنع من دخول تلك الجماعات من لا ينطبق عليه المعايير المطلوبة، وتظهر في تلك المعايير طاقة نفسية تشعِر من بداخل الجماعة بالتميُّز وارتقائه عمَّن لم يدخل جماعته، ما يؤدي إلى نشوء نظرة ذات صفة تمييز تحمل طابعًا من التفرُّد ولو بشكل بسيط في بدايات الأمر؛ صحيح أن تلك النظرة قد تكون بسيطة في حالات الاستقرار المجتمعي وبخاصةٍ في وجود حالات تواصل سلمي وتجاري بين الجماعات المختلفة، إلا أنه إذا هدمت تلك الحالات أو تم تهديد الاستقرار المجتمعي يلجأ الأفراد إلى الرجوع للطرق البدائية في الحفاظ على حياتهم، ومن أهمها الانضمام إلى عصبتهم التي ينتمون إليها والتي ستساعدهم، بتعاونهم معًا، على حماية أنفسهم، وبذلك يمكن تفسير حالات العنف والحروب الأهلية التي نجد في معظم بداياتها خلخلة للاستقرار المجتمعي دعا إلى خوف أفراد المجتمع الأكبر ورجوع كلٍّ منهم إلى جماعته ليحتمي بها ويهاجم من خلالها الجماعات الأخرى، بما يشمل أعضاءها، الذين كانوا في وقت من الأوقات جيرانًا وأصدقاء وزملاء عمل.
إلا أن اللجوء إلى الجماعات المباشرة قد لا يؤدي إلى عمليات التخريب والعنف، وإنما يكون منتهاه هو الحقد والريبة والشك، لكن يبقى العامل الثاني والحاسم في بداية عمليات العنف هو “الفعل الحاسم من جانب زعيم أو حزب سياسي يستغلُّ القوى المحركة للبغضاء العرقية”،ولدينا في هتلر وحزبه النازي في ألمانيا خير مثال، فعلى الرغم من شهرة الفرد الألماني برُقيِّ عرقه ولغته واستحقار باقي الأعراق واللغات، فلم تتم عمليات العنف إلا بعد وجود من يستغل تلك الحالة مع بعض العوامل الأخرى كفقر البلاد وخلافه، ليلقي باللوم على أعداء تلك الجماعة لتبدأ عمليات العنف ضد كل ما هو ليس ألمانيًّا.
الفكرة من كتاب الذرَّة الاجتماعية: لماذا يزداد الأثرياء ثراءً والفقراء فقرًا
مع تصور حدوث ثورة في مجال العلوم الاجتماعية، يحاول المؤلف استشراف ظواهر بداياتها المختلفة. تلك الثورة التي ستتمكن حسب رؤيته من تغيير عميق لعملية المعرفة حيث سيصل العلماء إلى قوانين صارمة تحكم العالم البشري لا تتعارض مع حرية الإرادة الفردية لكنها ستحاول تفسير العمليات الاجتماعية، تمامًا كما يفسِّر علماء الفيزياء العمليات المختلفة التي تتم داخل الذرَّات.
مؤلف كتاب الذرَّة الاجتماعية: لماذا يزداد الأثرياء ثراءً والفقراء فقرًا
مارك بوكانان: عالم فيزيائي، ومحرِّر سابق بمجلة “Nature” الشهيرة في مجال العلوم، حصل في يونيو 2009 على جائزة لاغرانج في تورينو فيما يتعلق بالكتابة العلمية في مجال التعقيد، ألَّف العديد من الكتب والمقالات التي تستهدف بالأساس التعريف بأفكار الفيزياء الحديثة، وكذلك عمليات الربط والإسهامات المختلفة التي تقدمها الفيزياء للعلوم المختلفة ومنها الأحياء والعلوم الإنسانية، ومن كتبه: “معادلة التاريخ”، و”العالم المعقد، القانون البسيط”، و”الناس ذرات، العالم يتحرَّك بالقانون المادي”، و”التاريخ يتحرك بواسطة قانون القوة”، و”السوق يتحرك بالقانون المادي”.
معلومات عن المترجم:
أحمد علي بدوي: مترجم، وله عدد من الكتب التي ترجمها عن الفرنسية، ومنها:
“مختارات من شعر القرن السادس عشر الفرنسي”، و”رحلة في آخر الليل”، من تأليف لويس فردينان سلين، و”القلعة” من تأليف أنطون دو سانت إكزوبيري.