إذلال المهزومين
إذلال المهزومين
رفض النظام العالمي الجديد احتضان الاتحاد السوفييتي قبل الأيام الأخيرة من سقوطه، كما رفض أن يحتضن روسيا أيضًا، فنجد أن الرئيس الروسي “بوليس يلتسن” المغلوب على أمره قد أجبر على الانتظار لساعات طويلة خارج إحدى قاعات المؤتمرات التي كانت تناقش المساعدات المالية التي سوف تقدم إلى روسيا، كما نجد أن الرئيس الأمريكي “بيل كلينتون” ربط قبول روسيا في نادي “الأوليغارشيين” ومنظمة التجارة العالمية بموافقتها على توسُّع حلف شمال الأطلسي بحيث يضم دولًا من الاتحاد السوفييتي السابق ودول البلطيق.
وبناءً على ذلك أيقنت روسيا أن انضمامها إلى مجموعة الثماني من أجل تحسين مكانتها، هو في الحقيقة يؤدي بمكانتها إلى التراجع، فانضمامها إلى تلك المجموعة كان يعني تخلِّيها عن طموحاتها ونديَّتها للغرب، وبالتالي لجأت روسيا إلى الشرق حيث منظمة “شانغهاي” والصين، ودول مجموعة “بريكس”، وبالتالي أصبحت روسيا لا تمتلك في جعبتها سوى كارت وحيد لحمايتها من الضغوط التي تهدف إلى زعزعة استقرارها وإذلالها، وهو مقعدها الدائم في مجلس الأمن الذي يمنحها “حق الفيتو”، فلم تتوانَ روسيا عن استخدام حق الفيتو كملاذ لحمايتها من الإذلال.
إن إضفاء الطابع الاجتماعي على الحرب وعلى العلاقات الدولية يفتح الباب أمام (رهاب الأجانب)، ما يؤدي إلى معاداة الأجنبي، وعلى نحو خاص معاداة مجموعات عرقية، ودينية معينة، وكذلك معاداة عادات وتقاليد ولغات معينة أيضًا، فنجد أن تعامل أوروبا مع ألمانيا المهزومة في الحرب العالمية الأولى، عن طريق وضع شروط تؤدي إلى استعبادها في النظام الأوروبي الجديد، ومنعها من الانضمام إلى عصبة الأمم، قد أدت إلى إذلال ألمانيا، ما دفع ألمانيا إلى التشدُّد في دعوتها إلى القومية الألمانية، وتشكل مفهوم “المدى الحيوي” الذي يعزز من تفوق وتميز العرق الألماني وادعاء تفرده، ما أدى إلى خطاب تمييزي وعنصري أدى إلى إبادة جماعية، ومن هنا نجد أن الإذلال شكَّل ركيزة أساسية لإنتاج أوضاع أكثر تطرفًا، أدَّت في النهاية إلى نشوء الحرب العالمية الثانية في إطار جدلية الإذلال والانتقام.
الفكرة من كتاب زمن المذلولين.. باثولوجيا العلاقات الدولية
يتكلم الكاتب عن باثولوجيا (أمراض) العلاقات الدولية التي تدفع نحو الإذلال؛ هذا الإذلال الذي يعرض المجتمعات إلى اضطرابات تؤدي إلى نزاعات اجتماعية شديدة في الحياة الدولية المعاصرة، فقد كان لتعدد الثقافات واختلافها ردة فعل طبيعية من جانب العولمة، فتم إقصاء ووصم جميع الثقافات المخالفة لها، ما خلق نوعًا من الإذلال الذي ضيَّق من إمكانية أن يحظى الآخر بموضع قدم في النظام العالمي، وظهرت مجموعة من النماذج في العلاقات الدولية هدفها الحط من مكانة الغير، وعدم الاعتراف بحقوقه، والتنكُّر لمبدأ المساواة، ما أدَّى إلى التنكُّر لاختلافه وتميزه، فباسم نظرية عالمية أصبحت الغيرية مرفوضة، ولا بد أن تخضع لمقاييس الأقوياء، ومن هنا يعد الإذلال عنصرًا أساسيًّا في بنية العلاقات الدولية، ما يعني أننا نعيش في زمن المذلولين.
مؤلف كتاب زمن المذلولين.. باثولوجيا العلاقات الدولية
برتران بديع : هو أستاذ العلاقات الدولية في “معهد العلوم السياسية” في باريس، شغل منصب رئيس المجلس العلمي للمعهد الفرنسي للشرق الأدنى بين عامي (2004 – 2012)، له العديد من المؤلفات، تم ترجمة معظمها، منها:
سوسيولوجيا الدولة.
الدولتان: السلطة والمجتمع في الغرب وبلاد الإسلام.
دبلوماسية التواطؤ.
الدبلوماسي والدخيل.
عجز القوة.
معلومات عن المترجم:
جان ماجد جبور: هو باحث ومترجم، يشغل منصب أستاذ في الجامعة اللبنانية، وله كتب من تأليفه، ومن بينها:
المنجد الفرنسي – العربي الكبير.
كما أن له عددًا من الكتب المترجمة، من بينها:
القيم إلى أين؟
الخوف من البرابرة.
اللقاء المعقد بين الغرب المتعدد والإسلام المتنوع.
الإسلام ولقاء الحضارات في القرون الوسطى.