أمل وألم.. إما نصر باهر وإما هزيمة ساحقة
أمل وألم.. إما نصر باهر وإما هزيمة ساحقة
كانت نتائج الهزيمة هائلة حقًّا ولكن هذا التهويل قُوبل بتهويل إعلامي أوروبي أكبر، وتشكيك في قدرات المقاتلين المصريين، مقابل تعظيم للقوة الإسرائيلية التي لا تُقهر، ولكن المفاجئ كان رد فعل الإعلام العربي على هذه الدعاية، فبدلًا من تقديم رأي مضاد، شاركهم المثقفون العرب في الإمعان في جلد الذات وإلقاء كل الأسباب على أنفسهم، بالرغم أن تلك الحرب شبه محسومة، نتيجةً للحالة التي وُضعت فيها مصر.. جاهزة للانهيار بمجرد إطلاق النار.
انعكست هذه التأثيرات بشكل ما على مثقفينا، وما أسعد العدو عندما تُنحي عدوانه بالكامل من الصورة، وتشرع في جلد ذاتك وتعيش في أحلام اليقظة؛ منتظرًا الديمقراطية التي ستجلب النصر معها، وقد كان دكتور فؤاد زكريا من أصحاب تلك الرؤية التي تُحمل الذنب كله لطريقة الحكم، ولا ترى أي إنجازات لها، وتُبّشر بالديمقراطية وترى عدم تطبيقها سببًا للهزيمة.. لكن التجارب التاريخية تُثبت أن الديمقراطية ليست بذلك السحر دائمًا، كان غياب الديمقراطية مؤثرًا بالفعل ولكن أقصى ما كان ليفعله هو تخفيف النتائج لا أكثر.
كانت الفترة الناصرية لا تحتوي أي انتقالات هادئة للمصريين، إما نشوة الانتصار وإما بؤس الهزيمة، لذلك كانت الآراء والمراجعات عنها بنفس الحدة، يمكنك القول بعدم وجود حدث أو قرار واحد حصل على توافق جامع، وعلى الرغم من تلك الملامح المتتابعة لنهضة حذرة مع شعبية عالمية للزعيم ناصر تطوف أرجاء العالم الثالث بوصفه مبشرًا للاستقلال ورمزًا للزعيم الشعبي المُنتظر، لم يمهل العدوان أحدًا وأتت النكسة لتقلب كل شئ رأسًا على عقب وتترك المصريين على أثرها وقد كُسروا لآخر ضلع فيهم ، وقد كانت ردود فعل الدولة تجاه المثقفين مجارية للأحداث وعلى قدر عنفها، فإذا كان المثقفون مع الدولة في جانب واحد ويتبنون رأيها كانت الدنيا ربيعًا ولا حرج على أحد في رأيه وتبدأ العلامات الإبداعية للثقافة المصرية في الظهور، أما في فترات الانتكاس وأعقاب الهزائم لا شك أن أصوات المقالات والنكات اللاذعة لم تكن تدع مجالًا لحقوق ولا لحريات، وتبدأ الأيام السوداء لجميع المثقفين بيسارهم ويمينهم دون استثناء، لم تنطبق هذه الحالة على فترة عبدالناصر فقط فقد تكررت تلك الفترات السعيدة والتعيسة مع السادات ومبارك تاركة قلوب المصريين في خط حاد إما صاعدًا وإما هابطًا.
الفكرة من كتاب المثقفون العرب وإسرائيل
إن التعامل مع الاحتلال الإسرائيلي والحركة الصهيونية باعتبارها مجرد مرحلة عابرة في تاريخ حروب مصر الطويل هو سطحية متعمدة لا ينبغي إحسان الظن بها، يحدثنا الدكتور جلال أمين عن تعريف النصر والهزيمة وعن طبيعة الحروب التي دخلها العرب منذ بداية الصراع، ويحاول إيجاد تفسيرات جديدة لتلك الهزائم التي ربما لم يرد أحد وحتى نحن أن ننتصر فيها، ويتطرق أيضًا إلى هذا النوع من المثقفين الجدد وكيفية تعاطيهم مع الدعايا الإسرائيلية، أو حتى مبادراتهم المبتكرة في تلك السوق التي لا تترك لأحدهم مجالًا حتى ليستر نفسه.
مؤلف كتاب المثقفون العرب وإسرائيل
جلال أمين، وُلد عام 1935م، هو ابن الاديب والمفكر المصري أحمد أمين وواحد من أهم الكتاب والمفكرين المعاصرين، تخرج في كلية الحقوق جامعة القاهرة ونال درجتي الماجستير والدكتوراه من جامعة لندن، عمل أستاذًا للاقتصاد بكلية الحقوق جامعة عين شمس والجامعة الأمريكية بالقاهرة، كان مهتمًّا في كتاباته بالجانبين الاجتماعي والاقتصادي ورصد التغيرات التي تجري للمصريين في هذين الجانبين، ومن أهم كتبه:
خرافة التقدم والتخلف.
ماذا حدث للمصريين؟
عصر الجماهير الغفيرة.