أمراض المجتمع

أمراض المجتمع
لا يعني مرور الحضارة بأطوار متشابهة أن بناء مجتمع الحضارة الإسلامية سيكون بنفس الطريقة التي بُنيت بها شبكة العلاقات الاجتماعية في العهد النبوي؛ بل إن العبرة تكمن في استمداد الأسس والغايات التي قامت عليها لا مجرد نسخ الطريقة التي قامت بها! اهتداءً بحديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم): “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا”، والمجتمعات الحديثة اليوم تقيم شبكة علاقات حكومية وغير شخصية ممتدَّة وشاملة لكل أفراد المجتمع، وهي بذلك أقرب ما تكون إلى الأسس التي نسجت مجتمع المدينة.

وأي خروج عن هذه السُّنَّة، يُظهر أمراض الجسد الاجتماعي التي تؤدِّي إلى تحلُّل المجتمع في صورة انفصالات في شبكته الاجتماعية يختفي فيها دور “الشخص” ويسترد “الفرد” سلطته وسيطرته –بغرائزه- على المجتمع؛ حينها يصبح العمل الجماعي المشترك صعبًا، ويصبح شغل المجتمع الشاغل البحث عن أدلَّة وبراهين لتبرير غرائزه وليس علاج المشكلات، والإعلاء من قيمة نفسه كفرد أو بتعبيرات علم النفس إشباع الأنا المتضخِّمة لديه، بخلاف لو ظهرت الأمراض في مرحلة سيطرة الروح على الغرائز، فالهدف أن يكون حل المشكلة لصالح المجتمع، كما فعل خالد بن الوليد (رضي الله عنه) ردًّا على إقالة عمر (رضي الله عنه) له من قيادة الجيوش وهو منتصر!
ويُرجِع المؤلف صحة شبكة العلاقات الاجتماعية في مراحل المجتمعات المختلفة إلى اعتبار نفسي؛ انطلاقًا من أن مكمن الداء هو النفس أو الذات، أو أمراض الأنا التي تتجلَّى فى ضعف فاعلية الشبكة الاجتماعية للمجتمع، وتصيب مختلف جوانبه السياسية والاقتصادية والفنية، وينطلق به من علم النفس الفردي إلى علم نفس المجتمع، فيشير إلى أن للبلد أو المجتمع نفسية توافق مرحلة معينة من مراحل تطوُّره، ينبغي تكيُّف الحلول المختلفة معها، إذ يخلق المجتمع المريض عقدًا نفسية فاسدة بين الأفراد كفيلة بأن تحبط أعمالهم الجماعية.
الفكرة من كتاب ميلاد مجتمع.. شبكة العلاقات الاجتماعية
يتناول هذا الكتاب فكرة ميلاد المجتمعات والظروف التي تنمو وتتطوَّر فيها إلى أن تصل إلى مرحلة الشيخوخة، وكعادة مؤلِّفه يمسك بزمام مصطلحاته ومفاهيمه فيُعِدُّ منها نسيجًا تحليليًّا يفكِّك من خلاله أبعاد موضوعه، وتكمن أهمية هذا الكتاب في اقترابه بصورة عملية من واقع مجتمعاتنا في الوقت الراهن، كما يبصِّرنا بالصيرورة التاريخية للمجتمعات وشروط بعثها انطلاقًا من حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم): “لا يصلح حال آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها”.
مؤلف كتاب ميلاد مجتمع.. شبكة العلاقات الاجتماعية
مالك بن نبي: مفكر إسلامي جزائري، ولد في الـ28 من يناير عام 1905، تتميَّز سلسلة كتاباته عن الحضارة ومشكلاتها، بعمق تحليلها الاجتماعي والنفسي الذي يجمع بين استيعاب ما توصَّل إليه الفكر الغربي من تفسير الحضارة وعوامل قيامها وسقوطها وبين العقلية الإسلامية التي تستمدُّ نبعها الصافي من الأصول الإسلامية الأساسية.
تُوفِّي مالك في الـ31 من أكتوبر 1973 بعد نضال فكري أنتج خلاله ما يناهز ثمانين مؤلفًا بالعربية والفرنسية؛ منها: “الفكرة الأفريقية الآسيوية”، و”تأمُّلات في المجتمع العربي”، و”فكرة كومنولث إسلامي”، و”إنتاج المستشرقين وأثره في الفكر الإسلامي”، و”المسلم في علم الاقتصاد”.