أخلاقيات الحوار والمناقشة
أخلاقيات الحوار والمناقشة
كان الفيلسوف اليوناني سقراط يحب أن يبدأ نقاشه مع الآخرين بذكر النقاط التي يتفق كلٌّ منهما عليها ثم يكون بعد ذلك مناقشة ما اختلفوا عليه، وهذا نموذج ساقه كارنيجي على أن اللباقة في الحديث تكون بالحصول على أكبر عدد من النقاط المتُفق عليها لا المُختلف عليه، ويؤيد ذلك الدكتور يحيى بن إبراهيم اليحيى مدللًا على ذلك من السياق الإسلامي ومعللًا أهميته بأنه أدعى إلى التآلف بين المتحاورَين، ومن الشواهد الإسلامية التي حدث فيها مثل ذلك أن النبي (صلى الله عليه وسلم) لما جاء إليه الشاب يستأذنه في الزنا ظل النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم) يسأله عما لا يختلف فيه عاقل مستقيم على الفطرة حتى أدرك الشاب أن ما يرغب فيه ليس بصواب.
وتتجلَّى في الحوار مسألة أخرى مهمة، هي المشاركة وإفساح المجال للآخر بأن يكون له نصيب في صناعة القرار بدلًا من الاستئثار بكل نجاح وإشعار الآخر أن كلامه ورأيه “تحصيل حاصل” لم يضف شيئًا مفيدًا، وهذا ما يُعرف في الإسلام بالشورى إذ قال الحق (سبحانه وتعالى): ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ﴾. ومن فائدة ذلك أن يتحمَّس الجميع للمشاركة وإبداء الرأي وتحرِّي ما ينفع لأنهم يعرفون أن جهودهم محفوظة وتُقدَّر دون أن يسطو عليها لصوص الأفكار والآراء فينسبوها إلى أنفسهم.
بقي أن نشير إلى أمرين هنا؛ الأول أن نضع في حساباتنا دومًا أن كل الناس فيهم من الخير وجوه متعددة وليس هناك إنسان يعدم فيه الخير من كل جانب، لذا فالواجب أن نستكشف قدرات ومواهب الآخرين والخير الذي فيهم فنسعى إلى تنميتها لتزاحم الجوانب الشريرة، وبهذا يمكن القول إن الطبيعة الإنسانية هي التي تغلب الإنسان في النهاية مهما بدت منه من غلظة، والأمر الآخر هو أن تكون الروح المنتشرة بيننا هي روح التحدي الكريم والمنافسة الشريفة التي تنشِّط الهمم لا الصراع المؤذي، وهي خصلة حثَّ عليها الإسلام ورغَّب فيها فيما يتعلق بالخير والحق والحسن من الفعل، ومن ذلك قول الله (عز وجل): ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا﴾، وقوله (تعالى):﴿وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾.
الفكرة من كتاب أليس في أخلاقنا كفاية؟
حظيت كتب الكاتب الأمريكي ديل كارنيجي Dale Carnegie بالشهرة الواسعة حتى أنها تُرجِمت إلى لغات عديدة وطُبعت مئات الطبعات وطارت بها الأرض كلها على الرغم من أن ما فيها ليس جديدًا، ولكنها كانت خلاصة تجاربه الحياتية، وقد دفع ذلك الدكتور يحيى بن إبراهيم اليحيى لتأليف هذا الكتاب؛ فيقابل فيه بين ما ذكره كارنيجي في كتابه “كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس” وبين ما هو حاضر في السياق الإسلامي سواء بذكر الأدلة على المسألة الواحدة أو بنقدها وبيان الصواب فيها أو بتفصيل أمرها المُجمل.
مؤلف كتاب أليس في أخلاقنا كفاية؟
يحيى بن إبراهيم اليحيى: ولد عام 1376 هجرية بالسعودية، وحصل على الدكتوراه عام 1412هـ من قسم السيرة والتاريخ بالجامعة الإسلامية بالمدينة، وشغل منصب وكيل كلية العلوم العربية والاجتماعية بالقصيم.
وله مؤلفات أخرى منها: “مشاهدات في بلاد البخاري”، و”أليس في أخلاقنا كفاية”، و”المنتقى من كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى”.