بين العقل والدماغ
بين العقل والدماغ
الوعي في لغة العرب هو حفظ القلب للشيء، لكنه في دوائر المتخصِّصين أشكل وأعقد، وأفضل تعريف للوعي قدَّمه “أوكلي” على مستويين: الأدنى منه يعني الآلية اللازمة لصياغة نموذج داخل الكائن يمثِّل البيئة الخارجية بمجموعة من الصور العقلية القابلة للتعديل، والمستوى الأعلى يتمثَّل في الوعي بالوعي أو الوعي بالذات وهو ما يميز الإنسان عن غيره، ويجعل “أوكلي” الجزء الأمامي في الشقِّ الأيسر من المخ هو المسؤول عن هذا المستوى بترجمة المدخلات السمعية لمعانٍ، وتنظيم ومراقبة المخرجات الصوتية.
ذلك التعريج على ماهية الوعي تمهيدٌ لمشكلة النفسي والمادي (أو العقلي والمخي) التي تعود جذورها إلى أفلاطون مرورًا بديكارت إلى أن أشعل فتيلها إنست ماخ في القرن العشرين، وقد سلَّم “ماخ” بثنائية جذرية بين النفسي والمادي تمخَّض عنها موقفان متباينان: أحدهما لكارل پوپر الذي يرى أن العقل يصنع اللغة والحضارة فيؤثران بدورهما في الدماغ، والآخر لفايچل الذي ينتهي إلى القول بواحدية بنائية بين العقل والدماغ، بيدَ أن غالبية علماء النفس لا يلتفتون كثيرًا إلى تلك المعضلة الفلسفية، ويتبنَّون النظرة السلوكية لإسكنر الذي أبى التعامل مع ما يسمى بالخبرة الذاتية.
لكن يأتي كارل پريبرام ليرفض توجُّه إسكنر ويضع المنهج الفرضي الاستدلالي الذي يقوم على متوالية في تسلسل منطقي، ويمتحنها تجريبّيًا، ويستدل پريبرام بظاهرة “الإبصار الأعمى”، حيث يُستأصل الفص القفوي من دماغ المصاب فيجعله لا يبصر رغم سلامة العين، إذ لاحظ أن المصاب يستجيب استجابة حركية سليمة لمواضع الأشياء وحدودها، مما يعني بقاء الجانب السلوكي الحركي رغم تفكُّك الجانب الذاتي (وهو أنَّ الشخص يقرِّر أنه لا يبصر)، ويخرج پريبرام بنتيجة مؤداها أننا بصدد بُعدين لهما أساس واحد.
فالأمر يشبه إذن جهازَ حاسوبٍ يعمل بمستويات متعدِّدة أدناها الآلة الجامدة ثم ما يُسمَّى بنظام التشغيل إلى أعلى مستوى له كبرامج معالجة الألفاظ، ولا بدَّ من تآزُر هذه المستويات الثلاثة فيما بينها، وهذه المستويات تناظر الدماغ والعقل والروح الاجتماعية.
الفكرة من كتاب علم النفس.. فلسفته وحاضره ومستقبله ككيان اجتماعي
يختلف علم النفس اختلافًا كبيرًا عن بقية فروع المعرفة الأخرى كالعلوم الطبيعية والبيولوجية، وذلك لاعتماده بصورة كبيرة على ملاحظة الإنسان لما في نفسه من أحاسيس ومشاعر، وما يدور في عقله من أفكار متعاقبة تُشكل سلوكه.
يركز هذا الكتاب على فلسفة علم النفس والمشكلات الأساسية التي تواجهه، لا من حيث البحوث والتجارب المعملية وإنما في جذوره والمبادئ الأساسية التي يقوم عليها، كذلك أثر علم النفس في حياتنا الاجتماعية من خلال الإشارة إلى تاريخ الدراسات النفسية وتحليل واقعها الحاضر والتنبؤ بمستقبلها في مصر والوطن العربي.
مؤلف كتاب علم النفس.. فلسفته وحاضره ومستقبله ككيان اجتماعي
الدكتور مصطفى سويف، أستاذ بكلية الآداب بجامعة القاهرة ومؤسس قسم علم النفس فيها، وُلد عام ١٩٢٤، وشغل منصب رئيس الجمعية المصرية للدراسات النفسية خلال عامي ١٩٧٠ و١٩٧١، وحصل على جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية عام ١٩٨٩، ووافته المنية سنة ٢٠١٦.
ومن أهم مؤلفاته:
مشكلة تعاطي المخدرات بنظرة علمية.
الأسس النفسية للتكامل الاجتماعي.
الأسس النفسية للإبداع.. الشعر خاصة.