التأثير والتأثر في الأدب
التأثير والتأثر في الأدب
لم تكن الأمم بمعزل بعضها عن بعض، بل لا يسع الناظر في تاريخ الأمم إلا الاعتراف بالصلات والجسور التي كانت بينهم، وشكَّلت هذه الاحتكاكات الثقافية وثبات معرفية وحضارية عند كل الأمم، فالعرب المسلمون اتصلوا بالثقافة اليونانية أكثر ما اتصلوا في الدولة العباسية، واستفادوا من علوم ومعارف اليونان ولكن لم يستسغ العرب الأدب والفن اليوناني، فالعلم مرجعه إلى العقل ويشترك الجميع في قضاياه، أما الأدب فمرجعه إلى الذوق، والذوق مختلف بين الشعوب، وعلى الرغم من ذلك فسنة الله ماضية في كونه، فقد تأثر الأدب العربي بالأدب الفارسي كما أثر فيه أيضًا، وكذلك حدث مع الأدب الهندي.
وبالانتقال من التاريخ السحيق إلى القرون الوسطى، فقد وُجدت هذه الصلات بين المشرق العربي والغرب الأوروبي، حيث وصلت آثار العرب في أوروبا كثيرًا عن طريق الأندلس وصقلية، وخالط الأوروبيون المؤثِّرات العربية أكثر في حروبهم الصليبية، وعلى الرغم من ذلك فليس من السهل تقدير أثر الحضارة العربية العظيم الذي تركته في أوروبا لتعذُّر تتبُّع هذه المؤثِّرات بدقَّة من منابعها إلى جهات انتشارها نظرًا إلى غموض تاريخ أوروبا في العصور الوسطى، ولضياع أكثر الآثار العربية الأندلسية، كما انتشرت نعرة شعبية بين العلماء الأوروبيين لإنكار المؤثرات العربية في الحضارة الأوروبية الحديثة أو التقليل من شأنها في أفضل الأحوال.
يظهر من ذلك أن أفضل طريقة لتبُّع ذلك الأثر هي طريقة المقارنة والمضاهاة بين الأدبين، وملاحظة وجوه التشابه التي لا يجوز أن تجيء عفوًا، والحاصل أن الأدب العربي كان ذا أثر كبير في الآداب الأوروبية في القسم الأخير من العصور الوسطى، أما عن تأثير الآداب الأوروبية في الأدب العربي فيمكن ذلك من خلال تحديد منابع اتصال الأدب الأوروبي بأدباء العرب المُحْدَثين، وأهمها: تثقف أولئك الأدباء بالثقافة الأجنبية، وابتعاثهم للخارج.
الفكرة من كتاب التوجيه الأدبي
من اليسير علينا أن نقرأ عملًا أدبيًّا خالصًا، ولكن الأعمال الأدبية لا تقدِّم لنا تعريفًا لما هو الأدب، ولا تُعرِّفنا بتاريخه وعوامل نشأته ومراحل تطوُّره، فما الأدب؟ وما موضوعاته؟ وما علاقته بالعلوم الأخرى كالفلسفة والتاريخ؟ وبمَ يتأثَّر الأدب وفيمَ يؤثِّر؟ وكيف اتصلت الآداب بعضها ببعض؟ يُعد “التوجيه الأدبي” مدخلًا للإجابة على كل هذه التساؤلات ووجبة معرفية في الأدب والدراسات الأدبية، ومادة ثرية للمثقف العربي وطالب الأدب على حدٍّ سواء.
مؤلف كتاب التوجيه الأدبي
طه حسين: أديب ومفكر وناقد مصري، وُلد في نوفمبر ١٨٨٩م وحصل على درجة الدكتوراه عام ١٩١٤م، ومن آثاره: “الأيام”، و”مرآة الإسلام”، و”حديث الأربعاء”، و”قادة الفكر”، و”دعاء الكروان”.
أحمد أمين: أديب مفكر ومؤرخ، وُلد بالقاهرة 1886م، وعمِل عميدًا لكلية الآداب بجامعة القاهرة، ومن أشهر مؤلفاته: “فجر الإسلام”، و”فيض الخاطر”، وترجم كتاب “مبادئ الفلسفة” لرابوبرت.
عبد الوهاب عزام: أديب ودبلوماسي مفكِّر، جمع بين ثقافته الإسلامية والعربية ومعرفته باللغات الفارسية والتركية والأُردية، ودافع عن العربية وتراثها، وكان ميلاده سنة ١٨٩٤م لأسرة مناضلة ضد الاحتلال الإنجليزي، وحصل على شهادة الليسانس في الآداب والفلسفة عام ١٩٢٣م وتولَّى عمادة كلية الآداب، ومن مؤلفاته: “الشوارد”.
محمد عوض محمد: عالم جغرافي وأديب، نال جائزة الدولة للعلوم الاجتماعية عام ١٩٥٢م، وعمل مديرًا لجامعة الإسكندرية، ومن كتبه: “بين الشرق والغرب”، و”فن المقالة الأدبية”، وترجم بعض أعمال شكسبير.