الطرق الصحيحة للتعامل مع الخلاف
الطرق الصحيحة للتعامل مع الخلاف
بعد أن تحدَّثنا عن طبيعة الخلاف، وأنه سنَّة باقية إلى قيام الساعة، ويستحيل أن يجتمع الناس على كل المسائل الخلافية حتى لو تم انتقاء الأحاديث كلها وتوضيحها، وننتقل بعد ذلك إلى الطرق الصحيحة للتعامل مع الخلاف، فالعلماء لا يتعاملون مع الشخص صاحب الخلاف بازدراء ولا يقتربون من رباط الإخوة بينهم، بل يتعاملون مع الخلاف نفسه كأمر علمي ويدركون أنهم قد يختلفون في مسائل شرعية، لكنهم يتفقون على وجوب محبة المؤمنين وتوحيد الصف.
ومن الواجب مراعاة عدم النقل المتسرِّع لإشعال الخلاف والابتعاد عن الفتن، إذ إن المجتهدين مأمورون باعتزال الخلاف، فلا ينبغي أن يتصدَّى له العامة الذين لا يحملون الزاد الكافي لمجابهة الفتن، ويتحوَّل الأمر بينهم إلى أحزاب وجماعات وتمزيق للدين لما يحمله الناس من الحماس المفرط الذي يجعلهم يثقون برأيهم الشخصي فقط، ويعدون من دونهم أصحاب هوى، ويجب مراعاة المقصد وراء الكلام والعلل والأسرار التي تدور حول الأوامر وليس أخذها أخذًا سطحيًّا يشعل الخلاف، ولكن الأولى الجمع بينهما ترجيحًا لمصلحة وإعادة فهم السياقات.
ويضرب الكاتب مثالًا على هذا بالخلاف الذي وقع بين سيدنا علي ومعاوية، حيث تحدث الرسول – صلى الله عليه وسلم – عنه قبل حدوثه، وأن الحق مع علي، فهو من قاتل الخوارج، ورغم أن الصحابة كانوا يعرفون أن الحق معه وأنه أولى بالطاعة والخلافة فإن بعضهم آثر أن يعتزل القتال لما فيه من تمزيق للرابط الأخوي بين المسلمين، ولعل عدم توضيح الرسول للأمر أكثر من ذلك كان فيه حكمة بالغة ليحثَّهم على تقبُّل الخلاف، وأنه لا يلزم حسم كل المسائل لنتعامل معها بواقعية، ولنعرف أن الحق يُعرف لذاته وليس لأتباعه حتى لو كانوا من الخلفاء.
الفكرة من كتاب كيف نختلف؟
“إن أمة مشتَّتة، متفرِّقة القوى، متضادة الاتجاهات، مختلفة الأهداف والرُّؤى؛ لا يمكن أن تكون قويةً، ولا أن تحمل دينًا، ولا أن تقيم دنيا”.. بهذه المقولة انطلق الشيخ سلمان العودة في كتابه هذا ليحفِّزنا على الاختلاف برُقي، وأن يكون خلافنا في الرأي فقط مع وحدة الصف والقلوب.
ويتناول الشيخ محاولة لإعادة صياغة منهجية التفكير للعقل المسلم في قضية الاختلاف وما يتعلَّق بها من إشكالات وتعقيدات، ويشرح مفهوم الاختلاف وأسباب نشأته وآدابه وحدود الاختلاف المقبول؛ إذ إن الاختلاف وتعدُّد الرؤى لم يسبِّب مشكلة للعقل المسلم إلا في عصور الضعف والجمود سواء على مستوى الأشخاص أم الأمم، حتى كان تقبُّل الاختلاف والتجديد دليلًا على مرونة الأمم وتقدُّمها، وأن الاختلاف يجب فقط أن يُجلي الحق ويؤلف القلوب.
مؤلف كتاب كيف نختلف؟
سلمان بن فهد بن عبد الله العودة: عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وعضو مجلس أمنائه، وأستاذ جامعي ومفكر سعودي ولد في ديسمبر 1956، وحصل على ماجستير في السُنَّة في موضوع الغُربة وأحكامها، ودكتوراه في شرح بلوغ المرام “كتاب الطهارة”.
وكان من شيوخ الصحوة، إذ شارك في برامج تلفزيونية للدعوة والإصلاح مثل برنامج “وسم”، وبرنامج “إشراقات قرآنية” و”حجر الزاوية”، وقد اهتم بموضوع الاختلاف في العديد من مؤلفاته مثل: “ولا يزالون مختلفين”، “الأمة الواحدة” ، “مقولات في فقه الموقف”، كما كان له العديد من المؤلفات المتميِّزة مثل: “أنا وأخواتها”، و”علمني أبي”، و”لو كنت طيرًا”، و”بناء الفرد”.