شروط الانتساب إلى الأمة
شروط الانتساب إلى الأمة
اختلف مفهوم الأمة كثيرًا على حسب ذكره في القرآن الكريم، فتارةً ما يكون بمعنى الإمام أو القوم المجتمعين على الدين الواحد، وتارةً ما يكون بمعنى مدة من الزمن، أو المذهب والطريقة، سواء كان حقًّا أم باطلًا، ولكن المهم أن من أراد أن يكون من أمة المسلمين فليؤدِّ ما أمره الله به، وأول ما أمر به الله هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذه قاعدة إلهية تدعو إلى توحيد الناس رغم اختلافهم، وتؤكد مبدأ الإخاء وتأمرهم بعدم التناحر لما فيه من تقطيع لأمر المسلمين ودينهم بينهم، يقول تعالى: ﴿وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ﴾، حيث شبَّه الدين باللباس الذي تنازع الناس عليه وأخذ كل منهم طرفًا منه، فكان الفائز منهم من لم يدخل النزاع وأخذ الدين من جميع جوانبه، واعتنى بأركانه ومواطن القطع فيه، وابتعد عن الهوى والعناد المتخفِّي تحت رداء العلم.
ولا يُقصد من ذلك ذم الاختلاف كله، فهناك خلاف مشروع متوافق مع القيم والأصول الشرعية كما حدث في عهد الصحابة والتابعين وحتى الأئمة الأربعة، فهذا خلاف في محكمات الشريعة، أما الخلاف المذموم فهو اختلاف الخصومات الذي يضيع حق المسلم على أخيه، حيث يكون كل حزب معجبًا بما لديه من الحق، مزدريًا ما عند الآخرين، وقد نهانا الله عن هذا الاختلاف لما فيه من تشبُّه باليهود في مثل قوله: ﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى﴾.
كما ينهي الدين عن الشذوذ في الآراء ومخالفة الناس في أشياء ليست واضحة التفسير في القرآن والسنة؛ لعدم إحداث شرخ في بنيان المجتمع المسلم، وللتشجيع على الأعمال الخالصة لله التي لا يُقصد بها الظهور والمخالفة من أجل المخالفة لأنه “من لبس ثوب شهرة ألبسه الله يوم القيامة ثوب مذلة”، وقد كان السلف يتجنَّبون مخالفة الناس في الأمور التي ليس لها أصل واضح مخافة الشهرة والاغترار بالاختلاف والتفرُّد، ولو صدقَ الشخص في رغبته في الخير فقط دون رغبته في الاختلاف حتى يقتدي به الناس لفاض النور من جوانحه ولاقتدى به الناس دون سعيٍ منه، وإنها لمعادلة صعبة لا يفطن إليها إلا صاحب قلب صادق.
الفكرة من كتاب كيف نختلف؟
“إن أمة مشتَّتة، متفرِّقة القوى، متضادة الاتجاهات، مختلفة الأهداف والرُّؤى؛ لا يمكن أن تكون قويةً، ولا أن تحمل دينًا، ولا أن تقيم دنيا”.. بهذه المقولة انطلق الشيخ سلمان العودة في كتابه هذا ليحفِّزنا على الاختلاف برُقي، وأن يكون خلافنا في الرأي فقط مع وحدة الصف والقلوب.
ويتناول الشيخ محاولة لإعادة صياغة منهجية التفكير للعقل المسلم في قضية الاختلاف وما يتعلَّق بها من إشكالات وتعقيدات، ويشرح مفهوم الاختلاف وأسباب نشأته وآدابه وحدود الاختلاف المقبول؛ إذ إن الاختلاف وتعدُّد الرؤى لم يسبِّب مشكلة للعقل المسلم إلا في عصور الضعف والجمود سواء على مستوى الأشخاص أم الأمم، حتى كان تقبُّل الاختلاف والتجديد دليلًا على مرونة الأمم وتقدُّمها، وأن الاختلاف يجب فقط أن يُجلي الحق ويؤلف القلوب.
مؤلف كتاب كيف نختلف؟
سلمان بن فهد بن عبد الله العودة: عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وعضو مجلس أمنائه، وأستاذ جامعي ومفكر سعودي ولد في ديسمبر 1956، وحصل على ماجستير في السُنَّة في موضوع الغُربة وأحكامها، ودكتوراه في شرح بلوغ المرام “كتاب الطهارة”.
وكان من شيوخ الصحوة، إذ شارك في برامج تلفزيونية للدعوة والإصلاح مثل برنامج “وسم”، وبرنامج “إشراقات قرآنية” و”حجر الزاوية”، وقد اهتم بموضوع الاختلاف في العديد من مؤلفاته مثل: “ولا يزالون مختلفين”، “الأمة الواحدة” ، “مقولات في فقه الموقف”، كما كان له العديد من المؤلفات المتميِّزة مثل: “أنا وأخواتها”، و”علمني أبي”، و”لو كنت طيرًا”، و”بناء الفرد”.