حاجة العقل إلى نور الوحي
حاجة العقل إلى نور الوحي
قبل الإجابة عن سؤال الشر، لا بدَّ أن ندرك مقدِّمة أساسية، وهي: محدودية قدرات وعقل الإنسان بالنسبة إلى معرفة حقائق الأشياء، وتبقى حاجته الفطرية دومًا إلى إرشاد سماوي تتقبَّله النفوس السويَّة، فـ”الوحي” به يتعرَّف الإنسان على إجابة الأسئلة الوجودية الكبرى التي لا تفارقه (من خلقني؟ ما غاية وجودي؟ ماذا بعد موتي؟)، ومن تلك الأسئلة: (لماذا توجد الشرور والأشرار في العالم إذا كان الله الذي يمثل الخير موجودًا؟)، ومع مثل هذه الأسئلة الوجودية يظهر التباين الكبير بين ما يقدِّمه الوحي السماوي الصحيح وبين ما يمكن أن تقدمه عقول البشر بعيدًا عن نور الوحي وهديه.
فمثلًا الفلسفة المادية تنظر إلى الإنسان على أنه مجرد ذرات لا حكمة لوجودها، وعليه تسود النزعة السوداوية في المصير والمستقبل من جهة، ومن جهة أخرى تدعو إلى استنفاد كل ملذات الحياة والتجاهل لأي شيء آخر قبل الموت وفوات الفرصة، أما المسيحية المُحرَّفة فهي ترى أن أصل الشرور سببه الخطيئة الأولى لآدم (عليه السلام)، أما ما يُعرف بـ”مُعضلة أبيقور”، وهو توظيفه لمشكلة الشر بنفي وجود الله في مقدمتين ونتيجة، فهي: إذا كان يوجد إله كامل العلم والقدرة والخير فلن يوجد شر، يوجد شر في العالم؛ إذن لا يوجد إله كامل العلم والقدرة والخير، وبالنظرة الأولى إلى معضلة أبيقور نجد أن المقدِّمة الأولى خاطئة أصلًا، وهي زعمه التعارض بين وجود إله كامل وبين سماحه بوجود الشر، وما دامت المقدمة خطأ فالنتيجة خطأ.
أما في القرآن فهو ينص صراحة على علم الله (عز وجل) بهذه الشرور التي لم تكن لتوجد إلا بإذنه، وأن ذلك السماح هو لغرض الابتلاء والامتحان، قال تعالى ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾، والامتحان كما هو في الشر فهو في الخير أيضًا ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾، وهذا اتساق منطقي مقبول لإظهار صدق أو كذب ادعاء الإيمان والصبر في الله وتصديق موعوده بالثواب والرضا، يقول تعالى: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ﴾.
الفكرة من كتاب أسس غائبة: 25 مسألة في مشكلة الشر
إن من أكثر الأسباب التي أدَّت إلى الكثير من الإلحاد هو سؤال الشر، لماذا توجد المعاناة والألم في العالم؟ فالملحد ينفي وجود الإله لمجرد وجود الشر وكأنه رد فعل غضبي وانتقامي موجَّه إلى الله (سبحانه وتعالى)، أو إلى الدين أو إلى المتدينين، وسبب رد الفعل هذا هو غياب أسس وحقائق عن الذهن، فتجده لا يدرك حقيقة الحياة الدنيا وأنها دار ابتلاء وامتحان وليست جنَّة أو نعيمًا.
لهذا قدَّم لنا الكاتب الأسس الغائبة عن عقول الناس والتي قد تؤدي بهم إلى الإلحاد بسبب غيابها، كما يقدِّم الإجابة عن بعض الأسئلة التي تخص “مشكلة الشر” كما تُعرف بين الملحدين.
مؤلف كتاب أسس غائبة: 25 مسألة في مشكلة الشر
أحمد حسن، مصري الجنسية، وهو مهندس معماري، مختص ومحاضر في مواضيع اللا دينية والإلحاد، ومدير البحث العلمي بمركز دلائل، ومن مؤلفاته: “الميديا والإلحاد”، و”أقوى براهين الدكتور جون لينكس في تفنيد مغالطات منكري الدين”، و”السينما واللاوعي”.