ضربات استباقية
ضربات استباقية
بعد تطوُّر الأوضاع القتالية وانتهاج الحرب أساليب جديدة لم تعهدها من قبل، أصبح الفضاء السيبراني إحدى جبهات القتال الرئيسة غير التقليدية التي فرضت نفسها على الساحة، ففي عصر يتزايد اعتماده على الحاسوب يومًا بعد يوم تصبح كبسة الزر أشد فتكًا من أطنان من المتفجِّرات التي قد تستهدف عددًا من البنايات مجتمعة، لتلحق خسائر بملايين الدولارات فقط كل ما عليك فعله هو اختراق الشبكة التي تعتمد عليها تلك الجهة المستهدفة ومن ثم تخريبها، من هنا ارتكزت الوسائل الأساسية لحرب المعلومات على إجراء من شأنه حجب أو استغلال أو إتلاف معلومات العدو ووظائفها، ومن ثم تحطيم إرادته وإضعاف قدرته القتالية.
ولتعزيز القدرات الإلكترونية للحروب يعقد الجيش الأمريكي العديد من المناورات، والتي يتم فيها تقسيم الجنود إلى مجموعتين إحداهما تهاجم الجبهات الرقمية وشبكات الاتصال ووسائل التحكم المحلية لبعض القواعد العسكرية، بينما تعمل المجموعة الأخرى على صد هذا الهجوم، المثير في الأمر أنه في المناورات المكتبية تلك تمكَّن المهاجمون من اختراق الشبكات والاستيلاء على مراكز القيادة، وإصدار أوامر مزيفة لبعض القواعد الجوية بتخفيف الأحمال القتالية للطائرات وتغيير وجهتها، وغيروا كذلك خطوط سير طائرات الوقود التي تعمل على تزويد المقاتلات بالوقود في الجو، ونتيجة لذلك سوف ينفد وقود المقاتلات تلك قبل أداء مهماتها.
أما في جبهات القتال الرئيسة، فقد شاركت الوحدات الإلكترونية في الحرب التي اندلعت لتأديب صربيا جراء حربها الوحشية في البوسنة والهرسك وإلزامها بمعاهدة “دايتون” من العام 1995، حيث تشكَّلت قوة تحقيق الاستقرار لمطاردة مجرمي حرب الصرب، والتي تضمنَّت وحدات حرب المعلومات لدى هيئة الأركان المشتركة بالبنتاغون، والتي شاركت في عمليات استطلاع سرية وتنصت على الهواتف ومراكز الاتصال والتحكم في مراكز البثِّ التلفزيوني للمحطات الإذاعية المناوئة للوجود الغربي في صربيا، وفي العام 1997 وفي أثناء القصف الغربي لصرييا نجحت الوحدات الإلكترونية الأمريكية من اختراق أنظمة الدفاع الجوي والتشويش عليها لمنع الرادارات الصربية من التقاط المقاتلات الأمريكية.
الفكرة من كتاب المنطقة المعتمة: التاريخ السري للحروب السيبرانية
خلال ديسمبر من العام 2020 اكتشفت الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق الصدفة تعرُّضها لهجوم سيبراني منذ عامين على الأقل شمل وكالات الأسلحة النووية الوطنية، والاحتياطي الفيدرالي، ووزارتي الخزانة والتجارة وكبرى الشركات الأمريكية وما زال الكثير لم يُكشف بعد، فأمريكا القوى العظمى كانت محتلة رقميًّا وهي لا تعلم!
وعلى الناحية الأخرى تقول بعض التقارير إن تكلفة الجرائم الإلكترونية حول العالم ستبلغ حاجز الستة تريليونات دولار سنويًّا بحلول العام 2021، كل تلك الأحداث تُنذر بمستقبل صعب حول ما بات يعرف بالحروب السيبرانية، لذا كانت أهمية الكتاب الذي بين أيدينا حيث يخوض في جذور هذا الواقع الغامض والحروب الجديدة.
مؤلف كتاب المنطقة المعتمة: التاريخ السري للحروب السيبرانية
فرد كابلان (Fred Kaplan): كاتب وصحفي أمريكي متخصص في شؤون الأمن القومي، ولد في 1937 في ذا برونكس في الولايات المتحدة، وحصل على بكالوريوس من كلية أوبرلين، ودرجتي الماجستير والدكتوراه في العلوم السياسية من معهد ماساتشوستس، ويعمل في مجلة سليت الأمريكية، وحاصل على جائزة “بوليتزر” عن مقال نشرته صحيفة بوسطن غلوب.
له أربعة مؤلفات: “المتمردون: ديفيد بترايوس ومؤامرة تغيير الطريقة الأمريكية للحرب”، و”1959: العام الذي تغيَّر فيه كل شيء”، و”المؤمنون بأحلام اليقظة: كيف دمَّرت بضع أفكار كبرى القوة الأمريكية”، و”سحرة هرمجدون”.