أهداف غير حصينة
أهداف غير حصينة
بعدما كان الصمت يُخيِّم على المكان ويسير كل شيء على ما يرام، انطلقت صافرات الإنذار المدوِّية، معلنة في الثالث من فبراير من عام 1998 ثمة اختراق في أحد حواسيب الحرس الوطني بإحدى القواعد العسكرية في واشنطن العاصمة، وما هي إلا أربع وعشرون ساعة حتى امتدَّت عملية الاختراق لتشمل ثلاث قواعد أخرى! وبفحص عملية الاختراق تلك تبيَّن أن المخترقين قد تمكَّنوا من سرقة أسماء المستخدمين الأصليين وكلمات المرور الخاصة بهم، وهذا ببساطة يعني أن شبكة الاتصالات أصبحت في جعبتهم، وصار الأمر لهم أشبه بنزهة سيبرانية في أحد المنتجعات الرقمية.
يومًا بعد يوم بدأت تتكشَّف خيوط الهجمات تباعًا، وبتتبُّع الرصد لعملية التسلُّل تلك، تم توجيه أصابع الاتهام في بادئ الأمر إلى الشرق الأوسط الملتهب في تلك الأوقات، وتحديدًا إلى دولة العراق ورئيسها صدام حسين الذي كان قد طرد مفتشي الأمم المتحدة، المنوط بهم التحقُّق من ضمان التزامه بشروط السلام، والتي تمخَّضت عن إنهاء عملية عاصفة الصحراء الخاصة بتحرير الكويت، وكانت هناك قناعة بدأت تتشكَّل في ذلك الوقت أن الهجوم الإلكتروني ما هو إلا للطلقات الأولية لحرب سيبرانية شاملة، لا سيما بعد توسيع رقعة التسلل الرقمي ليشمل اثنتي عشرة قاعدة أمريكية رئيسة!
وبعد عمليات التتبُّع المضنية والشاقَّة للمسارات الملتوية التي اتَّبعها المخترقون، تمكَّن الخبراء أخيرًا من الوصول إلى مراكز الاتصالات والخوادم التي انطلقت منها تلك الهجمات السيبرانية، ومن ثم استطاع فريق العمل الأمريكي تحديد اللهو الخفي الذي كان يتجوَّل بين القواعد العسكرية الأمريكية، ليصاب الجميع بالدهشة! فالمخترقون لم يكونوا عراقيين ولا كائنات شرق أوسطية، بل محض صبية، اثنان منهم أمريكيان في عمر السادسة عشرة، وقائدهم الثالث فتى إسرائيلي لم يتجاوز الثامنة عشرة، كانوا يتنافسون فيما بينهم في اختراق البنتاغون! فإذا استطاع الأطفال فعل ذلك، فما الذي يمكن أن تفعله دولة معادية متقدمة تقنيًّا ومموَّلة تمويلًا جيدًا عبر جيشها الرقمي المنظَّم من الهاكرز المحترفين؟!
الفكرة من كتاب المنطقة المعتمة: التاريخ السري للحروب السيبرانية
خلال ديسمبر من العام 2020 اكتشفت الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق الصدفة تعرُّضها لهجوم سيبراني منذ عامين على الأقل شمل وكالات الأسلحة النووية الوطنية، والاحتياطي الفيدرالي، ووزارتي الخزانة والتجارة وكبرى الشركات الأمريكية وما زال الكثير لم يُكشف بعد، فأمريكا القوى العظمى كانت محتلة رقميًّا وهي لا تعلم!
وعلى الناحية الأخرى تقول بعض التقارير إن تكلفة الجرائم الإلكترونية حول العالم ستبلغ حاجز الستة تريليونات دولار سنويًّا بحلول العام 2021، كل تلك الأحداث تُنذر بمستقبل صعب حول ما بات يعرف بالحروب السيبرانية، لذا كانت أهمية الكتاب الذي بين أيدينا حيث يخوض في جذور هذا الواقع الغامض والحروب الجديدة.
مؤلف كتاب المنطقة المعتمة: التاريخ السري للحروب السيبرانية
فرد كابلان (Fred Kaplan): كاتب وصحفي أمريكي متخصص في شؤون الأمن القومي، ولد في 1937 في ذا برونكس في الولايات المتحدة، وحصل على بكالوريوس من كلية أوبرلين، ودرجتي الماجستير والدكتوراه في العلوم السياسية من معهد ماساتشوستس، ويعمل في مجلة سليت الأمريكية، وحاصل على جائزة “بوليتزر” عن مقال نشرته صحيفة بوسطن غلوب.
له أربعة مؤلفات: “المتمردون: ديفيد بترايوس ومؤامرة تغيير الطريقة الأمريكية للحرب”، و”1959: العام الذي تغيَّر فيه كل شيء”، و”المؤمنون بأحلام اليقظة: كيف دمَّرت بضع أفكار كبرى القوة الأمريكية”، و”سحرة هرمجدون”.