الثورة وحركة الاستقلال الوطني
الثورة وحركة الاستقلال الوطني
كل حركة استقلال وطني لا بدَّ أن تتحقَّق من ثلاثة جوانب: الجانب الأول هو ما سبق الحديث عنه وهو جانب الاستقلال السياسي الذي يحرِّر الإرادة السياسية للدولة من الخضوع لإملاء أجنبي عليها، ولكن هذا الجانب لن يتحقَّق كاملًا إلا باستكمال جانبين آخرين هما الاستقلال الاقتصادي بالمدى الذي يكفل للدولة كفَّ ضغوط الخارج عليها، ويحقق لشعبها درجة من الاكتفاء الذي تكفله موارده، وهذا الجانب قد تمثَّل في إنشاء طلعت حرب بنك مصر.
حيث كان البنك في ذلك الوقت هو المؤسسة الحديثة التي يمكنها أن تجمع مدخرات الأهالي برضاهم ولصالحهم وتوجِّهها إلى الاستثمارات الاقتصادية في جوانب ما تحتاج إليه الجماعة من متطلَّبات حياتية تستغني بها بقدر الإمكان عن الاستيراد والاحتياج من الخارج، فقد تأسَّس بنك مصر في مايو 1920 باكتتابات من مصريين بلغ عددهم 126 مساهمًا وبرأس مال قدره 80 ألف جنيه، وأول ما أنشأ البنك كان مطبعة مصر عام 1922، ثم شركة مصر لحلج الأقطان عام 1924، ثم شركة مصر للنقل والملاحة عام 1925، ثم شركة مصر للتمثيل والسينما عام 1925، ثم شركة مصر حلوان للغزل والنسيج عام 1927 واستمرت مشروعاته إلى الآن.
والجانب الثالث والأخير والمكمل هو الاستقلال التشريعي والثقافي الذي يكفل للمجتمع قوة تماسك حضاري وإدراكًا لذاته المتميزة، ويضمن له حفظ الذات الحضارية، وذلك بالاعتماد والرجوع إلى الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي كمصدر للتشريع وإصدار القوانين بدلًا من المرجعية الوضعية العلمانية الغربية التي فُرِضت على مصر قسرًا مع الاحتلال الإنجليزي، وإن كان هذا الجانب قد شهد جهودًا كثيرة أبرزها جهود الفقيه عبد الرزاق السنهوري، فإنه لم يتحقَّق فيها قدر كبير من التقدم جراء هيمنة حضارة الغرب وثقافته على الدول العربية والإسلامية.
الفكرة من كتاب ثورة 1919 في تاريخ مصر المعاصر
ينظر “البشري” في هذا الكتاب إلى تاريخ مصر المعاصر نظرة الطائر المحلِّق في السماء، ومن ثم فهو ينقل أحداث التاريخ من تشكُّلها الرأسي المتتابع من ماضٍ وحاضر ومستقبل، إلى المنظور الأفقي بحسبانها كلها حدثت وتمَّت وصارت من الماضي، وهذا المنهج يتيح له أن يستقرئ أحداث التاريخ في تشكُّلاتها التي جرت؛ ليستطيع بالمقارنة بين بعضها وبعض أن يستخلص الدروس والعبر وعوامل التشابه والاختلاف والإنجاز والفشل، ومن ثمَّ فهو يقرأ ثورة 1919 في إطارٍ واسع يستوعب ماضيها وحاضرها وآثارها فيما بعد، بالإضافة إلى الإحاطة بالواقع الذي قامت فيه وكيف كان شكله وكيف كانت ملابساته.
مؤلف كتاب ثورة 1919 في تاريخ مصر المعاصر
طارق البشري: قاضٍ مصري سابق ومفكر إسلامي ومؤرخ، شغل منصب النائب الأول السابق لرئيس مجلس الدولة المصري ورئيس الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع لعدَّة سنوات.
من أهم مؤلَّفاته: “محمد علي ونظام حكمه”، و”سعد زغلول يفاوض الاستعمار”، و”العرب في مواجهة العدوان”، و”الحركة السياسية في مصر 1945- 1953″، و”المسلمون والأقباط في إطار الجماعة الوطنية”، و”دراسات في الديمقراطية المصرية”، و”شخصيات تاريخية”، و”من أوراق ثورة 25 يناير”.