هيجل وصراع الأفكار
هيجل وصراع الأفكار
يركز هيجل في قراءته للتاريخ على الأفكار وأهميتها والصيرورة التي تتولَّد بها؛ فهو يرى أن النهضة ما هي إلا محصِّلة الصراع بين الفكرة ونقيضها، فكل فكرة جديدة تظهر تحمل في طياتها نقيضها، ثم تظهر فكرة أخرى تستوعب النقيض، وهكذا حتى نصل إلى الفكرة المثالية، وعلى أساس التناقضات في أفكار الاجتماع والسياسة والاقتصاد والدين تظهر أفكار مثالية تنظِّم بصورة أفضل حياة المجتمع وتضمن تقدمه، ويضرب المؤلف مثلًا على ذلك بفكرة الحرية المطلقة التي طرحها اليونانيون، ولكنها حين أدت فكرة الحرية إلى نقيضها: الفوضى، هنا وُلِدت فكرة جديدة (مثالية) هي الحرية المُقيَّدة، التي تتلخَّص في أن حرية الفرد تقف عند حرية الآخرين.
وبصرف النظر عن مجمل فلسفة هيجل، وأفكاره الأخرى، فإن صراع الأفكار الذي يطرحه يقدم أرضية صلبة للنقاش والحوار بين المختلفين، بل والمتناقضين على أساس الوصول إلى فكرة أفضل، فهو يعمِّق أهمية النقاش على مستوى الأفكار، ويدعو لتقبلها والبناء عليها في عملية مستمرة من توليد الأفكار للأفكار، وهذه الفكرة تُفيد كثيرًا في صناعة السياسات ومراجعة الاستراتيجيات واختيار الوسائل عبر طرح الفكرة ونقيضها على كل مستوى من هذه المستويات وصولًا إلى الفكرة المثلى التي تضمن تحقيق الغاية المنشودة، وفيها دعوة للجماعات والتنظيمات ألا تقف عند أفكار جيل الرواد، بل تنطلق منها للتجديد وإيجاد ما يناسب العصر ومستجداته.
الفكرة من كتاب فلسفة التاريخ: الفكر الاستراتيجي في فهم التاريخ
يُعدُّ التاريخ الأداة الرئيسة والمنطلق الطبيعي لفهم الحاضر، فالتاريخ ليس مجرد عمل سردي يتتبَّع تطور الإنسان والمجتمعات والنظم فحسب، بل هو مع ذلك كله سجل العبر والعِظات لمن أراد أن يتفكَّر في أحوال الأمم السابقة، أو يتدبَّر السنن التاريخية التي جرت عليهم، والصيرورة التي قامت بها الحضارات وازدهرت، ثم ضعفت، فانتكست، وفلسفة التاريخ هي ذلك العلم والفن المعني باستخلاص مجموعة القواعد التاريخية التي تنبني عليها النظم والمجتمعات، وهو لذلك يقدِّم حزمة لا يستطيع أي مهتم بفهم التاريخ والحضارة وسنن الله في الدول والشعوب أن يتجاهلها، أو يرفض التسلُّح بما تقدمه مدارسها المختلفة من تفسيرات وحقائق لدورات التاريخ والحضارة.
مؤلف كتاب فلسفة التاريخ: الفكر الاستراتيجي في فهم التاريخ
جاسم سلطان: طبيب ومستشار، قطري المولد، درس الطب في القاهرة في فترة السبعينيات، هنالك عاصر الصحوة الإسلامية في الجامعات، بعدها عاد إلى قطر ليمارس العمل المجتمعي خلال فترة التسعينيات وحتى بداية الألفية الثانية، وخلال هذه الفترة شغل عدة مواقع إدارة منها: مدير المجموعة القطرية للتعليم والتدريب، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة «بيت الخبرة» للتدريب والتطوير، ثم ترك الطب وتفرَّغ للعمل الفكري والتأليف؛ فألَّف مجموعة كتب ضمن مشروع النهضة: سلسلة أدوات القادة.
من مؤلفاته: «التراث وإشكالياته الكبرى: نحو وعي جديد بأزمتنا الحضارية»، و«النسق القرآني ومشروع الإنسان: قراءة قيمية راشدة»، و«أزمة التنظيمات الإسلامية: الإخوان نموذجًا»، و«حيرة سؤال القدر»، و«من الصحوة إلى اليقظة: استراتيجية الإدراك للحراك».