قانون التحدي والاستجابة عند توينبي
قانون التحدي والاستجابة عند توينبي
وسَّع المفكر الإنجليزي أرنولد توينبي دائرة النظر من الدولة إلى الحضارة التي تنشأ نتيجة عن التحديات التي يواجهها الإنسان في شتى المجالات، فيحاول أن يستجيب لها، ويحولها إلى فرص حقيقية يمكنه الاستفادة منها، غير أن التحديات التي يمكن أن يواجهها الإنسان مستويات حسب قدراته؛ فهناك تحديات قاسية يصعب على الإنسان تطوير آليات للتغلُّب عليها مثل تحدِّي الثلوج الكثيفة التي لم يستطِع شعب الإسكيمو إبداع ما يُحطمها، فظلَّت حياته بدائية، وهناك تحديات سهلة غير مستفزة لقدرات الإنسان، فيظلُّ على حاله غير راغب في التقدُّم، وهناك التحديات الخلاقة التي تبعث في نفس الإنسان رغبة في الحركة والإبداع والتقدم للتنافس مع غيره من الأمم، والحضارة ما هي إلا وليدة سلسلة التحديات والاستجابات الناجحة.
ووقود مواجهة التحديات هم فئات المبدعين الذين يحاولون ويحاولون حتى يصلوا إلى الوسيلة الذهبية، أو الطريقة المُثلى للاستجابة للتحدِّي، التي تمكِّنهم من تحقيق نهضة مجتمعهم، على نحو ما وضعه الملك هنري -في بريطانيا في القرن الثاني عشر- من قوانين نظمت حياة الناس وضمنت استقرار المجتمع الإنجليزي، وما جاء به نابليون من طرق الإدارة الحديثة، انتفعت بها فرنسا من بعده لفترة طويلة، وهذه الفئة هي التي أرست بذور الصحوة واليقظة التي تدفع إلى الإحساس بالمشكلة وتوجيه الموارد والأفكار لحلها، ثم تأتي النهضة التي يصبح فيها العمل مُنظمًا والقوة موحَّدة نحو بناء الحضارة، والأمة الإسلامية لم يكن تاريخها خارجًا عن هذه التحديات والاستجابات، بل مرَّت هي الأخرى بسلسلة من التحديات والاستجابات التي قادتها إلى وضعها الراهن، والتي تحتاج منا الوصول إلى الوسيلة الذهنية للتصدي لحالة التخلف والاستعمار.
الفكرة من كتاب فلسفة التاريخ: الفكر الاستراتيجي في فهم التاريخ
يُعدُّ التاريخ الأداة الرئيسة والمنطلق الطبيعي لفهم الحاضر، فالتاريخ ليس مجرد عمل سردي يتتبَّع تطور الإنسان والمجتمعات والنظم فحسب، بل هو مع ذلك كله سجل العبر والعِظات لمن أراد أن يتفكَّر في أحوال الأمم السابقة، أو يتدبَّر السنن التاريخية التي جرت عليهم، والصيرورة التي قامت بها الحضارات وازدهرت، ثم ضعفت، فانتكست، وفلسفة التاريخ هي ذلك العلم والفن المعني باستخلاص مجموعة القواعد التاريخية التي تنبني عليها النظم والمجتمعات، وهو لذلك يقدِّم حزمة لا يستطيع أي مهتم بفهم التاريخ والحضارة وسنن الله في الدول والشعوب أن يتجاهلها، أو يرفض التسلُّح بما تقدمه مدارسها المختلفة من تفسيرات وحقائق لدورات التاريخ والحضارة.
مؤلف كتاب فلسفة التاريخ: الفكر الاستراتيجي في فهم التاريخ
جاسم سلطان: طبيب ومستشار، قطري المولد، درس الطب في القاهرة في فترة السبعينيات، هنالك عاصر الصحوة الإسلامية في الجامعات، بعدها عاد إلى قطر ليمارس العمل المجتمعي خلال فترة التسعينيات وحتى بداية الألفية الثانية، وخلال هذه الفترة شغل عدة مواقع إدارة منها: مدير المجموعة القطرية للتعليم والتدريب، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة «بيت الخبرة» للتدريب والتطوير، ثم ترك الطب وتفرَّغ للعمل الفكري والتأليف؛ فألَّف مجموعة كتب ضمن مشروع النهضة: سلسلة أدوات القادة.
من مؤلفاته: «التراث وإشكالياته الكبرى: نحو وعي جديد بأزمتنا الحضارية»، و«النسق القرآني ومشروع الإنسان: قراءة قيمية راشدة»، و«أزمة التنظيمات الإسلامية: الإخوان نموذجًا»، و«حيرة سؤال القدر»، و«من الصحوة إلى اليقظة: استراتيجية الإدراك للحراك».