بين الفلسفة والتاريخ
بين الفلسفة والتاريخ
تعني الفلسفة القدرة على التأمُّل التجريدي للظواهر البشرية ومحاولة تفسيرها، أي تحويلها من معطيات مرتبطة بزمان ومكان مُحدَّد إلى مفاهيم أو قوانين عامة يمكن استخدامها في سياقات أخرى، ولما كان علم التاريخ علمًا تسجيليًّا بالأساس لأحوال السابقين، فإننا نطرح سؤالًا عن الكيفية التي يمكن أن نستفيد بها منه، والرد مباشرةً يكون بربطه بالفلسفة؛ فيكون لدينا علم بين الفلسفة والتاريخ، هو علم فلسفة التاريخ، الذي يعني في أبسط معانيه: النظر إلى الوقائع التاريخية بنظرة فلسفية، أي إنه يحاول استكشاف القوانين الموجِّهة لحركة المجتمعات والدول ومعرفة أسباب صعودها وهبوطها.
تُردُّ نشأة هذا العلم إلى العلامة عبد الرحمن بن خلدون صاحب المقدمة الشهيرة، ويعدُّ هو أول من استخدم مصطلح فلسفة التاريخ وبحث فيه، بالبحث في العلل والروابط الكامنة وراء الأحداث، وتقديم نظرية صالحة للحكم على المجتمعات والدول، برسم مسار لحركتها صعودًا وهبوطًا، ازدهارًا وانكسارًا، كما صاغ مؤخرًا الفيلسوف الفرنسي فولتير مصطلح فلسفة التاريخ بعد ابن خلدون بنحو أربعة قرون، وهو ما يؤكِّد أن المسلمين كانوا أكثر من غيرهم اعتناءً باستخلاص العبر والعِظات من التاريخ، ويرجع هذا الاهتمام لدى المسلمين إلى ما وجدوه في القرآن الكريم من أخبار الأمم السابقة، في إشارة من رب العالمين إلى أن إفراد هذه المساحة من آيات القرآن لهذه القصص لم يأتِ عبثًا، بل فيه دعوة للدراسة والتفكُّر والتدبُّر، كما جاء في ثناياها أو تعقيبًا عليها سنن الله في خلقه ونواميسه المتحكِّمة في هذه الحياة الموجِّهة لها.
الفكرة من كتاب فلسفة التاريخ: الفكر الاستراتيجي في فهم التاريخ
يُعدُّ التاريخ الأداة الرئيسة والمنطلق الطبيعي لفهم الحاضر، فالتاريخ ليس مجرد عمل سردي يتتبَّع تطور الإنسان والمجتمعات والنظم فحسب، بل هو مع ذلك كله سجل العبر والعِظات لمن أراد أن يتفكَّر في أحوال الأمم السابقة، أو يتدبَّر السنن التاريخية التي جرت عليهم، والصيرورة التي قامت بها الحضارات وازدهرت، ثم ضعفت، فانتكست، وفلسفة التاريخ هي ذلك العلم والفن المعني باستخلاص مجموعة القواعد التاريخية التي تنبني عليها النظم والمجتمعات، وهو لذلك يقدِّم حزمة لا يستطيع أي مهتم بفهم التاريخ والحضارة وسنن الله في الدول والشعوب أن يتجاهلها، أو يرفض التسلُّح بما تقدمه مدارسها المختلفة من تفسيرات وحقائق لدورات التاريخ والحضارة.
مؤلف كتاب فلسفة التاريخ: الفكر الاستراتيجي في فهم التاريخ
جاسم سلطان: طبيب ومستشار، قطري المولد، درس الطب في القاهرة في فترة السبعينيات، هنالك عاصر الصحوة الإسلامية في الجامعات، بعدها عاد إلى قطر ليمارس العمل المجتمعي خلال فترة التسعينيات وحتى بداية الألفية الثانية، وخلال هذه الفترة شغل عدة مواقع إدارة منها: مدير المجموعة القطرية للتعليم والتدريب، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة «بيت الخبرة» للتدريب والتطوير، ثم ترك الطب وتفرَّغ للعمل الفكري والتأليف؛ فألَّف مجموعة كتب ضمن مشروع النهضة: سلسلة أدوات القادة.
من مؤلفاته: «التراث وإشكالياته الكبرى: نحو وعي جديد بأزمتنا الحضارية»، و«النسق القرآني ومشروع الإنسان: قراءة قيمية راشدة»، و«أزمة التنظيمات الإسلامية: الإخوان نموذجًا»، و«حيرة سؤال القدر»، و«من الصحوة إلى اليقظة: استراتيجية الإدراك للحراك».