السيادة المليئة بالثقوب
السيادة المليئة بالثقوب
ينتظم الجنس البشري وفق جماعات عديدة تهدف إلى تمييز نفسها عن غيرها من التجمعات البشرية الأخرى، وعلى ذلك يتشكَّل هذا العالم الأزرق اليوم من نحو مائتي دولة تقريبًا، ويعد نموذج الدولة القومية اليوم هو نتاج التطور الذي وصل إليه البشر، وباسمها شهد التاريخ على العديد من النجاحات المضيئة، ولكن على النقيض أيضًا كان هناك العديد من المآسي والبشاعات والجرائم التي هتكت أستار القناع البريء الذي تخفي به الدول وجهها القبيح.
وكانت الشعوب تلهث وراء وهم الدولة الديمقراطية التي تضمن حرية ورفاهية الشعب وسعادته، وبسبب تلك الفكرة قامت الثورات وتم القضاء على إمبراطوريات بأكملها، وتم تطبيق مبدأ حق تقرير المصير الدولي دون الأخذ في الاعتبار العناصر السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتي تمثل قابلية أي دولة للحياة، ونتيجة لهذا التخبُّط نشأت بعض الدول وهي تحمل في طياتها قنابل اجتماعية وسياسية موقوتة، قد تنفجر إذا ما تم نزع فتيلها في أي وقت، الأمر الذي ألقى بظلاله الوخيمة على محاولات تلك البلاد -أشباه الدول- تدشين تجربتها التنموية، فبعد ما يقرب من خمسين عامًا من التجارب المتعاقبة واستنزاف ثروات الدول الفقيرة ما زالت غالبيتها دولًا متخلفة.
وإن كانت الدول القومية نتجت جرَّاء ثورات سياسية واجتماعية، فإن أقصى ما تخشاه تلك الدول اليوم هو العولمة التي اجتاحت الكوكب، فكل الدول تقريبًا -والمهمَّشة منها على وجه الخصوص- أضحت ناقصة السيادة، فالنظام العالمي بات أشد تشابكًا من أكثر وقت مضى ومن أجل الانخراط في العملية السياسية الدولية ونيل الدول الاعتراف الدولي أصبحت الدول الفقيرة مضطرة إلى القبول بالتشريعات والمواثيق الدولية التي تحد كثيرًا من سيادتها القومية، وإلا ستواجه حالة من الإقصاء الدولي تفوق تكلفته قدرة تلك الدول، وطبقًا لهذا النظام الكوكبي المحكم نجد أنه على مدى الأعوام المائة الأخيرة لم تحدث أية تغييرات حقيقية على ميزان القوى بالعالم، فالقوى الكبرى ما زالت تحتفظ بأماكنها مع تغيير فقط في مراكزها.
الفكرة من كتاب أسطورة التنمية وقوى التدمير الخفية
“التنمية لا تتعدَّى كونها أسطورة تساعد الدول المتخلفة على إخفاء أوضاعها التعيسة والدول المتقدمة على إراحة ضمائرها”.
من الناحية النظرية، تكمن الوظيفة الأساسية للتنمية الاقتصادية في مساعدة البلدان المأزومة على تلافي ما تعانيه من مشكلات، ولكن أظهرت تجارب الدول، باستثناء بعض النماذج القليلة الناجحة، أنها تشبه في واقعها غزوات جيوش متحاربة، فباسم التنمية تُنتهك سيادة الدول، وتُجبر على تنفيذ إجراءات ترفضها الأغلبية العظمى من المواطنين، وتخلِّف وراءها مساحة عريضة من خراب اقتصادي واجتماعي، لكن كيف كان هذا؟ وبأي وجه تصبح التنمية سببًا في تعريض بني البشر لمصائب لا توصف في زمننا هذا؟ ولمصلحة من يا ترى؟ إن الحصول على الجواب الشافي عن كل هذه الأسئلة هو الهدف الذي يسعى هذا الكتاب إلى تحقيقه.
مؤلف كتاب أسطورة التنمية وقوى التدمير الخفية
أزوالدو دو ريفرو Oswaldo de Rivero: دبلوماسي متقاعد، وُلد في 2 أغسطس 1936 في بيرو، درس القانون في جامعة كاتوليكا وحصل لاحقًا على درجة الماجستير في العلاقات الدولية من أكاديميا ديبلوماتيكا في بيرو، كما أجرى دراسات عليا في المعهد العالي للدراسات الدولية، شغل منصب الممثل الدائم للأمم المتحدة في مدينة نيويورك، وسفير بيرو لدى منظمة التجارة العالمية، كما شغل سابقًا في حياته المهنية عدة مناصب في لندن وموسكو وجنيف.
قام بتأليف كتب عن التنمية الدولية تُرجمت إلى عدة لغات منها: “النظام الاقتصادي الجديد وقانون التنمية الدولية”، “أسطورة التنمية: الاقتصادات غير القابلة للحياة في القرن الحادي والعشرين”، “أسطورة التنمية”.