البحث عن بوتقة
البحث عن بوتقة
قامت الفكرة الصهيونية على يد الصحفي تيودور هرتزل، وأكد هذا المعنى في كتابه الموسوم بـ”دولة اليهود”، ورغم أن فلسطين لم تكن الأرض الوحيدة المطروحة على الطاولة لإقامة المشروع اليهودي، بل كانت ثمة أسماء بلدان أخرى مطروحة، منها أوغندا والأرجنتين ومحاولات في روسيا، فإن الاختيار وقع على فلسطين لتهيج العواطف الدينية وصبغ الأمر بصبغة دينية لجلب أعداد أكبر من اليهود المبعثرين في باقي الدول.
ومنذ اللحظة الأولى شرع اليهود في تكوين أعمدة دولتهم، فأحيوا اللغة العبرية بعدما ماتت منذ نحو 20 قرنًا من الزمان لتحقيق استقلاليتهم ولربط مواطني الدولة الوليدة، وتعد شرطًا ضروريًّا لعملية الاندماج المجتمعي، الأمر الذي إذا ما تحقَّق كان دليلًا على نجاح تلك العملية، كما حقَّقت اللغة أيضًا نوعًا من التواصل بين الحاضر والأمس، وعلى إثر ذلك تم استيراد الثأرات التاريخية القديمة وشحن الأجيال المعاصرة حتى يسهل تطويعها نحو الأجندة السياسية المطلوبة، وبإيجاز بسيط يمكن القول إن إحياء العبرية وإن لم يكن هدفًا في حد ذاته بل كان سببًا في تدعيم فكرة الامتداد التاريخي لليهود، وسببًا في خلق أرضية مناسبة لتشكيل الكيان السيكولوجي للنشء عبر المنظمات الاجتماعية المختلفة.
ولا شك أن المؤسسات اليهودية تؤدي دورًا محوريًّا في الحفاظ على النسيج المجتمعي القائم، فنظرًا إلى العقبات التي تهدِّد بتفسُّخ المجتمع اليهودي، وتنذر بموجة جديدة من الشتات نظرًا إلى الأصول العرقية للنازحين إلى فلسطين، فضلًا عن تعدُّد الموروثات الثقافية والعرقية وتضاربها أحيانًا، تسعى الحركة الصهيونية إلى محاولة رأب هذا الصدع ومنع السد من الانهيار، فإن كانت الأسلحة هي ما تعوِّل عليه إسرائيل في تحقيق أمنها في المستقبل القريب، فإن المدرسة والجامعة تمثِّلان الضامن الأساسي لتحقيق الأمن المجتمعي على المدى البعيد، لا سيما مع هذا التفاوت الفجِّ في المعطيات الثقافية ومن ثم التوجهات السياسية لأطياف المجتمع، مما يثير نوعًا من القلاقل الاجتماعية داخل النسيج الواحد.
الفكرة من كتاب تجسيد الوهم.. دراسة سيكولوجية للشخصية الإسرائيلية
أوضح قائد الطيران الإسرائيلي في حديثه -إبان حرب 1967- مفسِّرًا إقدامه على المغامرة بإرسال جميع الطائرات تقريبًا لمهاجمة المطارات المصرية، تاركًا إسرائيل دون غطاء جوي: “لقد كان رأي خبرائنا أن الصورة لن تكتمل أمام صناع القرار في مصر قبل نصف ساعة، وأنه سيمضي نصف ساعة أخرى قبل أن يقرِّر هؤلاء القادة ماذا سيفعلون، وهذه الساعة كانت كل آمالنا وعلى أساسها تم ترتيب كل توقيتات خططنا”.
أقدمت إسرائيل على تلك المغامرة بناءً على صفتين نفسيتين، وهما: التباطؤ في إبلاغ الأنباء السيئة، والتردُّد في التصرُّف حيال المواقف الجديدة، فإذا كانوا يعلمون عنا هذا القدر ويدرسوننا بهذا الأسلوب، فلا عجب فيما نواجهه منذ بدئهم الاستيطان في فلسطين سنة 1882، إن هذا الكتاب وإن كان مجرد خطوة في طريق طويل شاق لفهم الشخصية الإسرائيلية بجوانبها المعقدة، فقد أصبح الآن من مقتضيات العصر الراهن بعد تلك الموجة من التطبيع بين الأنظمة العربية الحاكمة والكيان الصهيوني.
مؤلف كتاب تجسيد الوهم.. دراسة سيكولوجية للشخصية الإسرائيلية
الدكتور قدري حفني، من مواليد 13 أغسطس 1938، حصل على ليسانس الآداب، قسم علم النفس من جامعة عين شمس، والماجستير في عام 1971، والدكتوراه في عام 1974، وقد شغل عدة مناصب أكاديمية بجامعات ومعاهد مصر والعالم العربي.
نال العديد من التكريمات العلمية والأدبية المهمة، من بينها: جائزة الدولة التشجيعية في علم النفس، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، وجائزة زيور للعلوم النفسية، وجائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية، توفي في 5 يونيو 2018.
ترك الدكتور قدري حفني العديد من الكتب والدراسات الفلسفية والسياسية المهمة، كما كان له العديد من الترجمات والأبحاث النفسية والمقالات العلمية والثقافية، ومنها: “دراسة فى الشخصية الإسرائيلية (الأشكنازيم)”، و”لمحات من علم النفس: صورة الحاضر وجذور الماضي”، و”العنف بين سلطة الدولة والمجتمع”.