مقدمات مهمة
مقدمات مهمة
تعد المهمة الأساسية لعلم النفس هي النفاذ داخل الشخصية الإنسانية والتنقيب عن القوانين العامة التي من شأنها أن تحدِّد سلوك الأفراد، ومتى استطعنا اكتشاف تلك القوانين أمكننا بعد ذلك التنبؤ بمصفوفة ردود الأفعال الخاصة بسلوك الأفراد تجاه المواقف المختلفة، بل قد نتعدَّى مرحلة التنبؤ إلى مرحلة التحكم والسيطرة على الفرد عن طريق استغلال تلك القوانين النفسية عبر معطيات محددة مسبقة، ولخطورة هذا الأمر يكفي أن نشير إلى أن أحد أهم أسباب نكسة الجيش المصري عام 1967 مع إسرائيل هي أننا لم نكن نفهم العقلية الإسرائيلية على نحو جيد.
وفي ظل الثورة التكنولوجية القائمة، واتجاه العالم إلى الاهتمام بالمعرفة التكنولوجية يجب ألا نهمل حقل الدراسات المعرفية الخاصة بالإنسان، فنكون بذلك كمن اهتم بعرائس الشمع دون النظر إلى من يحرِّكها خلف الكواليس، فالأمر إذًا ليس ترفًا وإنما يتعلَّق بقضايا الأمن القومي، لا سيما أن الكثير من الحروب الإعلامية والنفسية وأساليب السيطرة على الشعوب والتلاعب بالعقول والتحكم في الرأي العام إنما ترتكز على سابق المعرفة البشرية بالشخصية المستهدفة سواء كانت فردًا أو شعبًا، فلكلٍّ منهما قوانينه.
وتنطلق عملية الدراسة السيكولوجية للبشر من الماضي، فالسلوك عادةً ما يقوم على قناعة بفكرة معينة تشكَّلت عبر العديد من المواقف، وخلال عملية التفريغ النفسي وسرد الوقائع التاريخية المختلفة يمكن للخبير النفسي استلال ذاك الخيط الرفيع الذي يربط بين الاستجابات والمواقف، والذي يمثل الطابع والاتجاه السيكولوجي العام لتصرُّفات الأفراد نتيجة واقع اجتماعي معين، مع تجنُّب الإغراق في الفروق الفردية التي لا تنتظم وفق نسق واضح، أو التشبُّث بعمومية القوانين وجعلها قيدًا على عملية التنبؤ، فإذا كانت التصرُّفات إنما تنتج عن جذور سيكولوجية تقبع في أعماق الشخصية، ففهم الحاضر إذن إنما يبدأ من الماضي ومن ثمَ يمكننا استشراف المستقبل.
الفكرة من كتاب تجسيد الوهم.. دراسة سيكولوجية للشخصية الإسرائيلية
أوضح قائد الطيران الإسرائيلي في حديثه -إبان حرب 1967- مفسِّرًا إقدامه على المغامرة بإرسال جميع الطائرات تقريبًا لمهاجمة المطارات المصرية، تاركًا إسرائيل دون غطاء جوي: “لقد كان رأي خبرائنا أن الصورة لن تكتمل أمام صناع القرار في مصر قبل نصف ساعة، وأنه سيمضي نصف ساعة أخرى قبل أن يقرِّر هؤلاء القادة ماذا سيفعلون، وهذه الساعة كانت كل آمالنا وعلى أساسها تم ترتيب كل توقيتات خططنا”.
أقدمت إسرائيل على تلك المغامرة بناءً على صفتين نفسيتين، وهما: التباطؤ في إبلاغ الأنباء السيئة، والتردُّد في التصرُّف حيال المواقف الجديدة، فإذا كانوا يعلمون عنا هذا القدر ويدرسوننا بهذا الأسلوب، فلا عجب فيما نواجهه منذ بدئهم الاستيطان في فلسطين سنة 1882، إن هذا الكتاب وإن كان مجرد خطوة في طريق طويل شاق لفهم الشخصية الإسرائيلية بجوانبها المعقدة، فقد أصبح الآن من مقتضيات العصر الراهن بعد تلك الموجة من التطبيع بين الأنظمة العربية الحاكمة والكيان الصهيوني.
مؤلف كتاب تجسيد الوهم.. دراسة سيكولوجية للشخصية الإسرائيلية
الدكتور قدري حفني، من مواليد 13 أغسطس 1938، حصل على ليسانس الآداب، قسم علم النفس من جامعة عين شمس، والماجستير في عام 1971، والدكتوراه في عام 1974، وقد شغل عدة مناصب أكاديمية بجامعات ومعاهد مصر والعالم العربي.
نال العديد من التكريمات العلمية والأدبية المهمة، من بينها: جائزة الدولة التشجيعية في علم النفس، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، وجائزة زيور للعلوم النفسية، وجائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية، توفي في 5 يونيو 2018.
ترك الدكتور قدري حفني العديد من الكتب والدراسات الفلسفية والسياسية المهمة، كما كان له العديد من الترجمات والأبحاث النفسية والمقالات العلمية والثقافية، ومنها: “دراسة فى الشخصية الإسرائيلية (الأشكنازيم)”، و”لمحات من علم النفس: صورة الحاضر وجذور الماضي”، و”العنف بين سلطة الدولة والمجتمع”.