آليات البناء
آليات البناء
يتطلَّب تحصيل الثقافة بشقيها الإسلامي والإنساني القراءة الجادة المطولة، وسماع وحضور محاضرات العلماء والدعاة والمثقفين والمفكرين، والجلوس إليهم في حلقات خاصة للسماع منهم ومناقشتهم، ولا بدَّ لمريد الثقافة أن يكون قويًّا في إيمانه، صحيح العقيدة، حسن التصور للعلاقة بين الدنيا والآخرة حتى تكون له بمثابة الحاجز من الزلل والضلال إذا نظر في العلوم والمعارف لتحصيل الثقافة المنشودة، وأمثلة أولئك الذين اغترفوا من علوم الآخرين ولم يسلموا من تبعاتها الفكرية الضالة لما كانوا عليه من ضعف الإيمان وخلل كبير في العقيدة، والكتاب والسنة أهم مصدرين لثقافة المسلم، وبهما تتحدَّد نظرة المرء إلى الكون والحياة والإنسان، ويمنحانه المقاييس الدقيقة لمعرفة الخير والشر، وعنهما تصدر كل أعماله وأقواله، وبهما يحكم على الأفكار والنظريات والنظم والقوانين وكل ما ينتجه العقل البشري.
ولا بدَّ للمثقف من المعرفة بأصول الأخلاق والتربية الإسلامية وبخاصة في هذا العصر الذي اضطربت فيه معايير الأخلاق، ولا تكتمل ثقافة المثقف إلا بالاطلاع على قدر مناسب من التاريخ الصحيح من مصادر موثوقة لمعرفة سنن الله في أرضه والأخذ بالعبر والعظات، ومن الأمور المهمة التي ينبغي أن يطلع عليها مريد الثقافة هي معرفة كيف يُدار العالم سياسيًّا واقتصاديًّا وإعلاميًّا ومقارنة ذلك بالنظام الإسلامي؛ فيقارن بين الديمقراطية الغربية ونظام الشورى الإسلامي، وكذلك المجال الإعلامي والأساليب المتبعة فيه، فالتدفق الهائل من الأخبار والمعلومات يمكنه أن يتحكَّم في رغبات الناس المستقبلين له وحاجياتهم وأشكال سلوكهم وعقلياتهم وأساليب التربية المتبعة وأنماط الحياة، ومن ثم تُسلب إرادة الشعوب ويُقضى على روح المقاومة فيها.
ولا ينبغي إغفال العلوم الإنسانية الحديثة كعلم النفس والتربية والاجتماع والفلسفة وغيرها، وقراءة التصور الإسلامي حولها، فالعلوم الطبيعية والإنسانية تخضع للذاتية، وفيها مجال رحب للاستنتاج الظني، فما يثبته فيلسوف أو عالم ينفيه آخر، فالمادي يقول خلقت الطبيعة، والمؤمن يقول خلق الله، هذا في العلوم التجريبية المحضة فكيف بالعلوم الإنسانية!
وأحد الروافد الثقافية المهمة هو تعلُّم اللغات الأجنيبة للاطلاع على تراث الآخرين وتاريخهم وثقافاتهم، وكذلك الاطلاع على بعض القضايا المعاصرة كملف الاستشراق، والعلمانية، والتصوف، والعولمة، وقضايا المرأة المسلمة لما لها من تأثير بالغ في المجتمع، ولا بدَّ من الصبر والإتقان والسعي إلى التحصيل الجاد على مدى سنوات متتالية عديدة حتى يتسنى للمرء بناء الثقافة الجيدة.
الفكرة من كتاب الثقافة الآمنة
كَثُر في الآونة الأخيرة الحديث عن الثقافة، وقُسِّم الناس إلى مثقفين وغير مثقفين، ومُجِّد المثقفون عن غيرهم، وأصبحت المجتمعات تُوزن بقدر ما فيها من المثقفين وبمقدار ما ينتشر فيها من الثقافة، كل ذلك دون وجود مقياس واضح أو تعريف محدد لمصطلح “الثقافة”.
وفي هذا الكتاب يستعرض الكاتب مفهوم الثقافة، وآليات التحصيل والبناء، ومن يكون المثقف، وما عقبات انتشار الثقافة، وسنتناول ذلك بشيء من التفصيل.
مؤلف كتاب الثقافة الآمنة
محمد بن موسى الشريف: داعية إسلامي سعودي، وطيار، وكاتب، وباحث في التاريخ الإسلامي، ومتخصص في علم القرآن والسنة، وُلد في جدة عام1961م، جمع بين عدة أعمال، فإضافةً إلى كونه طيارًا مدنيًّا، فقد تمكَّن من إكمال الدراسة الأكاديمية الشرعية وحصل على الدكتوراه في الكتاب والسنة، وحفظ القرآن الكريم وأجيز في القراءات العشر، واعتقلته السلطات السعودية في أكتوبر 2017م.
له العديد من المؤلفات منها: “المرأة الداعية”، و”عجز الثقات”، و”مقياس العمل المؤثر”، و”الأمن النفسي”، و”التنازع والتوازن في حياة المسلم”، و”ظاهرة التهاون في المواعيد”، و”كيفية قراءة التاريخ وفهمه”، و”اللطائف والنوادر”، و”ذكريات طيار”.