من المثقف؟
من المثقف؟
اختلف الناس في تحديد ماهية المثقف تبعًا لاختلافهم في تعريف الثقافة العامة؛ فمنهم من يعتقد أن الثقافة تتحصَّل بالقراءة المطوَّلة لكتب الغرب والشرق، والبعض الآخر يعتقد أن المثقف هو من يتكلم بأكثر من لغة، وغيرها من التصورات المبنية على الأوهام والاعتقادات الخاطئة، ولكن الحقيقة هي أن أهل الثقافة في المجتمعات الإسلامية انقسموا إلى جزأين؛ فبعضهم يحاول الحفاظ على هويته وإحياء قيم الإسلام وتوجيهاته في الحياة، والبعض الآخر يحاول اللحاق بالغرب والتماثل معه بقدر ما يستطيع.
ويُقَسِّم الكاتب الثقافة إلى قسمين: الثقافة الإسلامية والثقافة الإنسانية، ويقصد بالإسلامية الثقافة الشاملة لجميع جوانب الحياة، ويقصد بالإنسانية الثقافة المتعلقة بثقافة الأمم والشعوب التي ليست على دين الإسلام، فمن المهم الاطلاع على ثقافات الأمم والشعوب السابقة واللاحقة وعلاقتها بالإسلام، والاطلاع على نتاج تلك الشعوب في المجالات الثقافية العديدة وبخاصة ما يتعلق منها بالشؤون العالمية المؤثرة في العالم بأسره من قيم أو منظمات.
أما الثقافة الإنسانية العامة، فلا بدَّ للإحاطة بشيء منها حتى يُعد المرء المسلم من جملة المثقفين، فيقول الدكتور أكرم العمري: “إنه لا بدَّ للمثقف المسلم من التصور الشامل للحياة المعاصرة: سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا”، والمثقف شخص واسع المعرفة في جوانبها الكثيرة الدينية منها والدنيوية، وهذه السعة نسبية، والمثقفون ليسوا على درجة واسعة من المعرفة والاطلاع، ففوق كل ذي علم عليم، وكذلك للبيئة والاستعداد الشخصي أثر لا يُنكر في تكوين المثقف ودرجة ثقافته.
وقد يُعد المرء غير المسلم مثقفًا باطلاعه على الثقافات الغربية والشرقية، ولكن المسلم لا يُعد مثقفًا إلا مع العلم بقواعد الإسلام العامة في الحكم والتشريع، وبالاطلاع على تاريخ الإسلام لمعرفة السنن الإلهية في الأقوام والشعوب، وبالعلم بقواعد الدين والعقيدة للرد على الشبهات وتفنيدها، ويقول الدكتور نجيب الكيلاني: “على رجال الفكر والثقافة الدينية أن يهتموا بلغة العصر، وأن يقتربوا أكثر من تراث عصرهم واهتماماته وإنجازاته، وأن يستكملوا ثقافتهم الدينية والتاريخية ويتحرَّروا من الإثم والتهريج”.
فالثقافة لا تكون بمعناها الصحيح إلا باعتمادها على أصول ثابتة لا تقبل التزييف، لذا فالوحي هو أصل الأصول في ذلك كمصدر وأساس ينبع من الثقافة بمفهومها الشامل، فإذا أتقنه المثقف على الوجه الصحيح كان بذلك مؤمَّنًا من أعاصير الانحرافات الفكرية، ومن ثم القدرة على القراءة في فلسفات ونتاج الشعوب الأخرى.
الفكرة من كتاب الثقافة الآمنة
كَثُر في الآونة الأخيرة الحديث عن الثقافة، وقُسِّم الناس إلى مثقفين وغير مثقفين، ومُجِّد المثقفون عن غيرهم، وأصبحت المجتمعات تُوزن بقدر ما فيها من المثقفين وبمقدار ما ينتشر فيها من الثقافة، كل ذلك دون وجود مقياس واضح أو تعريف محدد لمصطلح “الثقافة”.
وفي هذا الكتاب يستعرض الكاتب مفهوم الثقافة، وآليات التحصيل والبناء، ومن يكون المثقف، وما عقبات انتشار الثقافة، وسنتناول ذلك بشيء من التفصيل.
مؤلف كتاب الثقافة الآمنة
محمد بن موسى الشريف: داعية إسلامي سعودي، وطيار، وكاتب، وباحث في التاريخ الإسلامي، ومتخصص في علم القرآن والسنة، وُلد في جدة عام1961م، جمع بين عدة أعمال، فإضافةً إلى كونه طيارًا مدنيًّا، فقد تمكَّن من إكمال الدراسة الأكاديمية الشرعية وحصل على الدكتوراه في الكتاب والسنة، وحفظ القرآن الكريم وأجيز في القراءات العشر، واعتقلته السلطات السعودية في أكتوبر 2017م.
له العديد من المؤلفات منها: “المرأة الداعية”، و”عجز الثقات”، و”مقياس العمل المؤثر”، و”الأمن النفسي”، و”التنازع والتوازن في حياة المسلم”، و”ظاهرة التهاون في المواعيد”، و”كيفية قراءة التاريخ وفهمه”، و”اللطائف والنوادر”، و”ذكريات طيار”.