أهم ما في الموضوع.. سياسة (عاطفي- شهواني)!
أهم ما في الموضوع.. سياسة (عاطفي- شهواني)!
إن المجتمعات تتطور إما تبعًا لأفكار مجردة (أي سياسة مقعدة تراجع نتائجها دومًا، كما قال أحدهم إن سياستنا علم لا يخطئ أبدًا، أي يصحِّح نفسه ذاتيًّا)، وإما على النقيض مجتمعات لم تتطوَّر أو انتكست فلم تظهر فيها الأفكار المجردة، وعوضًا عن ذلك تجسَّدت في شخص ما، كما تجسَّد الألمان في شخص هتلر، أو تتجسَّد في مجموعة أفراد (مركب أفراد) وضعهم الاستعمار في مراكز القيادة، أو حافظ عليهم وعلى تركيبهم إذ إنهم يخدمونه بقصد أو بغير قصد، أما ما يميز مركب الأفراد فهو الاتصال العضوي بين أفراده، ووحدة الجهاز الهضمي الذي يحركهم، إذ يصبح همه تلبية رغبات جهازه الهضمي (مصالحه الخاصة وشهواته)، ويصبح كل شيء قابلًا للهضم، إذ إنه لا يُعمِل مقاييس العقل والنقد، ويهاجم أي فكرة جديدة تخوُّفًا منها.
أما عن الشعب فينجح معه هذا المركب بسبب نفسيته التي تميل إلى السهولة وتجذبه الإجراءات والدوافع العاطفية وتصبح أفعاله ونواياه الطيبة وانفعالات الغضب والمقاومة معتمدة على سهولات الحاضر لا على صعوبات المستقبل، ماذا لو أضفنا إليها المغريات، فتصبح سهولات مغرية.
وهنا يستغلُّ الاستعمار هذه الاستعدادات ويزكِّيها ويحافظ على سياسة (عاطفية الشعب- شهوانية مركب الأفراد) التي تتوافق مع مصالحه، وليحافظ على هذه السياسة التي هي شرط الاستعمار للاستمرار يقتضي عاملين مهمين، وهما: أن يضرب كل قوة مناهضة له تحت أي راية تجمعت، وأن يحاول في كل الظروف أن تتجمَّع تحت الراية الأكثر فاعلية.
وهنا يستخدم الاستعمار طريقة التجميد، ليوقف التقدم ويجمِّده عند نقطة معينة، ويجعل الهجوم متحركًا بالعاطفة في الاتجاه الذي يريده، كما تستخدم القطعة الحمراء أمام ثور هائج في حلبة الصراع، فيزداد هياجه بذلك، فبدلًا من أن يهجم على المصارع نفسه يهجم على المنديل الأحمر إلى أن تنتهك قواه.
الفكرة من كتاب الصراع الفكري في البلاد المستعمرة
تبدأ القصَّة حين دخل الاستعمار البلاد الإسلامية، نشأ الصراع في كل الميادين وبدأت فصول المقاومة ومنها الصراع الفكري الذي يجهل الشعب حقيقته ولعلَّه لا يعلم بوجوده أصلًا، ولكنه يعيش نتائجه السلبية، يجهل قيمة الفكرة في مصير المجتمعات ويجهل دقة الخطط التي ترسم للتحكُّم في مصير الشعوب المتخلِّفة عن طريق أفكارها.
يضيء لنا مالك بن نبي هذا الموضوع من الداخل في ظل تجربته الشخصية لنتعرَّف إلى حقيقة هذا النوع من الصراع وكيف تتم إدارته، حتى لا يمكننا مهما بلغنا من تجريد أن نفصل مغامرة (فكرة) عن مغامرة (صاحبها)، وكل ما يتمناه أن تقوم في بلادنا رابطة من المثقفين، لكشف هجمات الاستعمار على الجبهة الفكرية، حتى لا تبقى الأفكار معرضة لتلك الهجمات دون نجدة أو مدد، وحتى يفيق المجتمع من سباته.
مؤلف كتاب الصراع الفكري في البلاد المستعمرة
مالك بن نبي Malek Bennabi مفكِّر وفيلسوف ومهندس جزائري، ولد في ١ يناير ١٩٠٥م، وتوفِّي في ٣١ أكتوبر ١٩٧٣م، ويُعدُّ أحد رُوَّاد النهضة الفكرية الإسلامية في القرن العشرين، ويُمكن اعتباره امتدَادًا لمدرسة ابن خلدون، ويُعدُّ من أكثر المفكرين المعاصرين الذين نبَّهوا لضرورة العناية بمشكلات الحضارة، وترك أثرًا كبيرًا فيها.
من أهم كتبه: “مشكلات الحضارة وشروط النهضة”، و”مشكلة الحضارة في العالم الإسلامي”، و”ميلاد مجتمع”، و”الظاهرة القرآنية”، و”مشكلة الثقافة”، وغيرها الكثير.