الوسائط الرقمية
الوسائط الرقمية
بالأمس كانت تعدُّ فكرة التواصل مع غيرنا ممن يبعدون عنا آلاف الأميال من قبيل الخيال، وعدَّه البعض من أعمال السحر والشعوذة ومخاطبة الأرواح، لكننا اليوم وبفعل التقدم الكبير بدايةً من التليغراف والهاتف وصولًا إلى اكتشافات القوى الكهرومغناطيسية تم تحقيق تلك النبوءة دون الاستعانة بعالم الأرواح السفلية، فبفضل تلك التقنيات الرقمية أصبح بمقدورنا اليوم أن نتشارك تفاصيل يومنا مع غيرنا من الأشخاص والتملُّص قليلًا من قوانين الزمكان.
كانت تلك الأدوات السحرية التي تحرِّكها أيادٍ غير مرئية على بعد آلاف الكيلومترات هي ما يعرف بالوسائط الرقمية، فهي شكل من الأنظمة الإلكترونية التي يتم تخزينها رقميًّا عبر عدد من الأكواد الثنائية يمكن قراءتها بواسطة الآلة، كما يمكن أن تشير إلى الجوانب التقنية في التخزين أو الإرسال الخاص بالمعلومات والصور والملفات السمعية والبصرية، مثل الفيديو الرقمي والواقع المعزز، واللوحات الرقمية، والصوت الرقمي، وأبرز تطبيقات تلك الوسائط هو التقارب الحاصل في الكيفية التي تتواصل بها المنظمات الإعلامية مع قطاعاتها الجماهيرية وتغطية الأحداث العالمية بعدد أقل من المراسلين.
ولم تكتفِ تلك الوسائط بإحداث هذا التقارب فقط، بل تدخَّلت أيضًا في تغيير هياكل الإدارة والوظائف داخل الشركات عبر إحلالها محل بعض الوظائف، مما أدَّى إلى تقلُّص فرق العمل والمكاتب الخارجية والعزوف عن الوسائل التقليدية لمتابعة الأخبار وسير الأحداث لحظة بلحظة، مما يمكن القول معه إن التكنولوجيا مع الوقت تعمل على إعادة هندسة أجسادنا من جديد، فهذا التفاعل اليومي مع تلك الأجهزة الذكية لا يمكن الاستغناء عنه اليوم، وبخاصة بعد تطوير تكنولوجيا العرض الثلاثية الأبعاد لتوفير تجربة أكثر واقعية ومحاكاة للطبيعة، مما أسهم في خلق فرص جديدة للوصول إلى المعلومات وإنجاز المهام بصورة أكثر مهنية، وخلق نوع من التعايش الرقمي بين الأفراد من مختلف الأماكن وهذا هو الإبداع.
الفكرة من كتاب الكون الرقمي: الثورة العالمية في الاتصالات
تغلغلت الأجهزة الذكية في كل مكان حولنا، وبلغت اليوم من الاعتيادية أننا لم نعد نفترض أن الشخص المنفرد الذي يُجري حديثًا بصوت عالٍ مع شخص غير مرئي بأنه مجنون، كلُّ ما في الأمر أنه يستخدم هاتفه المحمول المزود بسماعة لاسلكية، فالتكنولوجيا اليوم أضحت ظاهرة شاملة في الحضارة، والقوة المحدَّدة لنظام اجتماعي جديد أصبحت فيه تلك الآلات الذكية ضرورة على جميع مناحي النشاط البشري.
وجرت العادة أن أي ابتكار جديد يولِّد آثارًا مؤذية لا سبيل لفصلها عن الآثار المحببة وربما يطرح من المشكلات أكثر مما يحل، ومن هنا كانت أهمية هذا الكتاب الذي يطوف بنا في رحاب هذا الكون الموازي لعالمنا المادي حيث يعطي لمسات جديدة، كما يقدم رؤى نقدية وطرحًا جديدًا للمستقبل الرقمي للعالم.
مؤلف كتاب الكون الرقمي: الثورة العالمية في الاتصالات
بيتر بي سيل Peter B.Seel: أستاذٌ في قسم الصحافة والاتصال التقني بجامعة ولاية كولورادو، حيث يُدرِّس التكنولوجيات الجديدة في الاتصال وإنتاج الفيديو والتصوير الرقمي والأفلام الوثائقية، له العديد من المقالات عن تكنولوجيات الإعلام الجديدة، وهو مؤلف “الكون الرقمي” والعديد من المقالات عن التلفزيون الرقمي وتقنيات الوسائط الجديدة.