السطو على الريف
السطو على الريف
لقرون خلت كانت الزراعة التقليدية هي النمط الرئيس لتوفير الغذاء، ورغم أن عملية التطوُّر الطبيعي للأساليب الزراعية كانت بطيئة إلى حد ما وربما احتاجت إلى عقود، فإنها كانت تتمُّ بتناغم مع الطبيعة دون استنزاف المقومات الطبيعية للأراضي الزراعية، ورغم أن إحلال الزراعة الحديثة محل نظيرتها التقليدية كان من المفترض أن يكون بمنزلة فصل النهاية من رواية نقص الغذاء، فإننا وعلى عكس المتوقَّع وجدناها تدشينًا لعصر جديد عنوانه “صناعة الجوع”، حيث اتجهت الطبقات الأرستقراطية منذ أربعة قرون تقريبًا إلى إدخال أساليب الزراعة الحديثة إلى الريف، واستخدمت أساليب العنف لطرد الفلاحين من أراضيهم وإحلال الآلة محلهم وتهجير فائض العمالة الزراعية إلى القطاع الصناعي في المدن.
على الناحية الأخرى يجب ألا نغضَّ الطرف عن الممارسات الاستغلالية للحقبة الإمبريالية التي مثَّلت طريق الحرير للزراعة الرأسمالية، حيث كانت الدول الاستعمارية تنتهج سياسة استنزاف المستعمرات لصالح اقتصادها عبر تجريف مواردها الطبيعية بشكل عام، أما في القطاع الزراعي فكان يتم إجبار طبقة الفلاحين على زرع محاصيل معينة، غالبًا ما تكون محاصيل مدارية تُستخدم في التصدير بعيدًا عن محاولة توفير الحبوب الغذائية لمواطني تلك المستعمرات، ومع استئثار سلطات الاستعمار بتصدير المحاصيل الزراعية كانت تتحكَّم في عملية التسعير لتحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح على حساب المزارع الصغير.
وبالتتبُّع التاريخي لقضية الغذاء نجد أن العالم بعد الحرب العالمية الثانية أصبح إلى حد ما أكثر هدوءًا من ذي قبل، لا سيما أن الدول أخذت على عاتقها مهمة تحقيق أمنها الغذائي الخاص، لذلك اتبعت سياسات حمائية شديدة بخصوص وارداتها الغذائية لحماية صناعاتها الوليدة من الإغراق الاقتصادي للدول الأخرى، وتم استبعاد قضايا الزراعة من اتفاقية الجات التي نظَّمت وسائل التجارة العالمية بين الدول المختلفة، ولكن رغم ذلك لم تؤدِّ الزراعة الحديثة إلى تحسين وضع المزارع الصغير، بل زادت من سطوة كبار الملاك الذين أصبحوا قوة تجارية قوية تسعى إلى إخضاع الفلاحين وسحقهم! لا سيما مع اتجاه الدول إلى الاهتمام المطلق بالقطاع الصناعي على حساب نظيره الزراعي، فهذا التهميش الاقتصادي للمزارعين الصغار أدَّى إلى ارتفاع معدلات الكراهية والسخط العام وهجران بعض المزارعين لأراضيهم لا سيما مع ارتفاع التكاليف وصعوبة توفير التمويل المطلوب.
الفكرة من كتاب حروب الغذاء.. صناعة الأزمة
يعاني اليوم أكثر من مليار ومئة مليون نسمة الجوعَ وسوء التغذية، إلا أن ذلك يحدث في وقت يُنتج فيه العالم من الغذاء ما يكفي لإطعام سكان الكوكب كافة، فما المشكلة إذًا؟!
يناقش هذا الكتاب قضية الأمن الغذائي وأبعادها المتعلقة بتكنولوجيا الزراعة الحديثة، بالإضافة إلى الأطراف الفاعلة في صناعة الجوع القائمة على أشدها، كما يتطرق إلى نضال الدول والشعوب في الحصول على حقها في الغذاء وصراعها مع أطماع مافيا الغذاء وسياسات المؤسسات الدولية الكبرى، التي تتعمد وأد كل محاولة من شأنها أن تمنح الدول النامية حقها في الاستقلال الغذائي حتى لا تخرج بذلك عن فلك التبعية.
مؤلف كتاب حروب الغذاء.. صناعة الأزمة
والدن بيللو Walden Bello: ولد في 11 نوفمبر 1945 في الفلبين، حصل على الدكتوراه في علم الاجتماع، وعمل أستاذًا في مجاله بجامعة الفلبين، كما أنه مؤسس معهد دراسات جنوب العالم وعضو اللجنة الدولية للمنتدى الاجتماعي العالمي، واختارته الجمعية الدولية للدراسات أبرز علماء الاجتماع في العالم 2008م.
له العديد من الكتب والدراسات والأبحاث والتحليلات السياسية عن أزمات النظام الرأسمالي العالمي، وأزمة الغذاء، والأزمة المالية، ورؤية نقدية لمنظمة التجارة العالمية وصندوق النقد والبنك الدوليين، وعن الحرب الأمريكية في أفغانستان والعراق.