السقوط في الهاوية
السقوط في الهاوية
تجيد الرأسمالية تغيير جلدها تمامًا كالأفعى، فلو تتبَّعنا النسق التاريخي للأحداث نجد ثمة اختلافًا بين رأسمالية الثلاثينيات عن الخمسينيات، وأيضًا عن رأسمالية التسعينيات، حيث اختلفت صورها ومدى الأزمات التي تسبَّبت في إشعال فتيلها، ولكن يبقى ثمة خيط مشترك بين تلك الأنواع الثلاثة يتمثل في تزايد الاتجاه العام لمعدلات الفقر وزيادة القلق العام والضغوطات المجتمعية وتقلص الأسواق مع ارتفاع وتيرة استغلال العمال وزيادة توترات العمل وشيوع عدم الاطمئنان، لا سيما مع الانخفاض المستمر في مستويات الأجور الحقيقية، وتركِّز الثروة في أيدي النخبة من الطبقة الرأسمالية.
كل تلك المشكلات لا يمكن أن تكون عابرة، بل هي ترجع بصورة أو بأخرى إلى اختلالات في خصائص النظام الرأسمالي نفسه فهو نظام مشوَّه داخليًّا يميل ذاتيًّا على المدى الطويل ناحية عدم الاستقرار والانكماش، فضلًا عن إرساء قواعد الطبقية داخل المجتمع وتقويض أسس السلم الاجتماعي عبر التآكل المستمر للطبقة الوسطى، بالإضافة إلى غياب شبكات الأمان الاجتماعي وتنامي موجات الحرمان والبؤس داخل الأحياء الفقيرة وطبقات المجتمع الدنيا التي تمثِّل قنبلة موقوتة تهدِّد بالانفجار في أي لحظة، كما أن التوسُّع الإنتاجي للرأسمالية لا يتصف بالديمومة، ذلك أنه يقترن بتدنِّي مستويات الأرباح الضامنة لاستمراريته بالإضافة إلى التناقص المستمر للقوى الشرائية الحقيقية التي تخلق ما يُعرف بالطلب الفعال الذي يمثِّل وقود الاقتصادات المعاصرة.
واليوم دخلت الرأسمالية المعاصرة مرحلة جديدة تمثلت في استخدام قوة الدولة لتحقيق مطامعها، حيث تبادل الرأسماليون الأدوار دائمًا مع السياسيين النافذين في الحكومات المختلفة وعمدوا إلى استخدام السياسة لتغيير قواعد اللعبة الرأسمالية وفق مصالحهم الخاصة وإرغام منافسيهم على الإذعان لها، كما أخذت شكلًا أقل تدميرًا من ذي قبل، ولكنه أشد مكرًا في امتصاص مقدَّرات الشعوب وفوائض الدول الفقيرة، وإلى جانب تلك المذابح والحروب التي لا يتورَّع الرأسماليون الكبار عن افتعالها تأتي مشكلة البيئة وقضايا التغير المناخي والاحتباس الحراري وزيادة معدلات التلوث التي تنذر بكوارث تدميرية تستهدف النظام البيولوجي للأرض بأكمله، مما يهدِّد الحياة الطبيعية لمختلف الكائنات البشرية.
الفكرة من كتاب الاقتصاد المجنون.. الرأسمالية والسوق اليوم
رغم ما يشاع عن عظمة المذهب الرأسمالي وإسهاماته في رفع المستوى المعيشي للملايين حول العالم في الدول الرأسمالية المتقدمة؛ فإن الفرد يقف حائرًا وسط هذا الفقر المدقع المستشري في جميع دول العالم المتقدمة والنامية على السواء..
يكشف هذا الكتاب حساب الرأسمالية المعاصرة وإلقاء اللوم عليها جراء الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، فهو يتتبع إفلاس النظم الاقتصادية المعاصرة في القضاء على الفقر، كما يغوص في ديناميكيات الرأسمالية وكيف تتشكَّل الأزمات الاقتصادية، كما يعرِّج في النهاية على أثر الاختلالات الهيكلية للأنظمة الاقتصادية المعاصرة في مستقبل العالم.
مؤلف كتاب الاقتصاد المجنون.. الرأسمالية والسوق اليوم
كريس هارمن: كاتب صحفي وناشط سياسي ومنظِّر ماركسي بريطاني، وعضو باللجنة المركزية لحزب العمال الاشتراكي ببريطانيا، وكان رئيس تحرير مجلة العامل الاشتراكي ولاحقًا لمجلة الاشتراكية الأممية، وتُوفِّي نتيجة سكتة قلبية في القاهرة بمصر في أثناء مشاركته في مؤتمر مركز الدراسات الاشتراكية في 7 نوفمبر 2009.
أنتج هارمن مجموعة كبيرة من الكتب والمقالات عن عدة موضوعات، ومنها: “كيف تعمل الماركسية؟”، و”غرامشي ضد الإصلاحية” و”النبي والبروليتاريا”.