الفوضى الخلاقة
الفوضى الخلاقة
أسهمت الرأسمالية في إذكاء عملية تركُّز رأس المال، ونظرًا إلى توحش الأسواق زادت عمليات الاحتكار عبر العديد من الاندماجات بين المؤسسات الإنتاجية المختلفة، وأضحت عدة شركات ضخمة تسيطر على معظم الناتج المحلي للاقتصاد العالمي، وتكمن الخطورة هنا في قيام تلك الشركات بالسيطرة على الأسواق وطرد باقي الشركات الصغيرة من ميدان المنافسة، ومع ارتباط تلك الشركات الضخمة بمؤسسات التمويل المختلفة، ومع العديد من الشركات المورِّدة للمواد الخام والمنتجات الوسيطة تصبح عملية إفلاس إحدى تلك الشركات بمثابة الكارثة! فهي أشبه بانفراط العقد الذي يجر في طياته مؤسسات التمويل والعديد من الشركات الأخرى مما ينذر بعاصفة تقتلع الجميع.
وقديمًا ثار الجدل عن مدى قدرة النظام على التعافي بعد كل تلك الأزمات المتلاحقة، وكان هناك العديد من الآراء التي كانت تؤكد أن الرخاء قادم لا محالة، ولكن يبدو أن الأمر ليس كذلك، فرغم العديد من إجراءات حفز الاقتصاد لم ترجع الأمور إلى سابق عهدها، ولم يأتِ الرخاء كما كان مخططًا له، فدأبت القوى الكبرى على إيجاد حل فوجدت ترياق أزماتها في التوسع خارجيًّا والسيطرة على حقوق الآخرين من المواد الخام ومصادر الطاقة والأسواق، من هنا بدأت الموجة الاستعمارية الكبرى التي شملت أغلب الكرة الأرضية، ولنا في تاريخ بريطانيا العظمى ومستعمراتها خير مثال.
ومما يؤكد تلك الفكرة ما حدث إبان عهد الكساد العظيم الذي استمر عقدًا من الزمن دون أن تكون هناك أية بشائر تلوح في الأفق لانتهاء الأزمة رغم أن الدول تخلَّت بصورة أو بأخرى عن بعض مبادئ الرأسمالية التي كان ينظر إليها قبل ذلك بعين التقديس، حيث تدخَّلت بقوة في الاقتصاد وطعَّمت الأسواق ببعض المبادئ الاشتراكية، ولكن رغم كل ذلك لم تبدأ بوادر الانتعاش الحقيقي إلا مع البدء الفعلي للاستعداد للحرب العالمية الثانية عبر إعطاء الضوء الأخضر للشركات العملاقة بتجاهل آليات السوق والسيطرة على موارد الدول الأخرى، كما خلقت الحرب أسواقًا شرهة للمنتجات والسلع المختلفة.
الفكرة من كتاب الاقتصاد المجنون.. الرأسمالية والسوق اليوم
رغم ما يشاع عن عظمة المذهب الرأسمالي وإسهاماته في رفع المستوى المعيشي للملايين حول العالم في الدول الرأسمالية المتقدمة؛ فإن الفرد يقف حائرًا وسط هذا الفقر المدقع المستشري في جميع دول العالم المتقدمة والنامية على السواء..
يكشف هذا الكتاب حساب الرأسمالية المعاصرة وإلقاء اللوم عليها جراء الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، فهو يتتبع إفلاس النظم الاقتصادية المعاصرة في القضاء على الفقر، كما يغوص في ديناميكيات الرأسمالية وكيف تتشكَّل الأزمات الاقتصادية، كما يعرِّج في النهاية على أثر الاختلالات الهيكلية للأنظمة الاقتصادية المعاصرة في مستقبل العالم.
مؤلف كتاب الاقتصاد المجنون.. الرأسمالية والسوق اليوم
كريس هارمن: كاتب صحفي وناشط سياسي ومنظِّر ماركسي بريطاني، وعضو باللجنة المركزية لحزب العمال الاشتراكي ببريطانيا، وكان رئيس تحرير مجلة العامل الاشتراكي ولاحقًا لمجلة الاشتراكية الأممية، وتُوفِّي نتيجة سكتة قلبية في القاهرة بمصر في أثناء مشاركته في مؤتمر مركز الدراسات الاشتراكية في 7 نوفمبر 2009.
أنتج هارمن مجموعة كبيرة من الكتب والمقالات عن عدة موضوعات، ومنها: “كيف تعمل الماركسية؟”، و”غرامشي ضد الإصلاحية” و”النبي والبروليتاريا”.