لغز الأزمات
لغز الأزمات
نستطيع أن نرى بوضوح ذلك التعاقب المتكرر بين الرخاء والأزمات في سلسلة من الدورات الاقتصادية المتعاقبة على مدى التاريخ الرأسمالي، فالتقلبات والمنعطفات التاريخية الحادة تشكِّل صفة أساسية من البناء المعاصر للرأسمالية مع اختلاف بينها في مدى قسوتها، وتعد أحد الأسباب الفاعلة في تعميق الأزمة هي اتجاه معدل الربح إلى الانخفاض على المدى طويل الأجل، مما يستلزم بدوره وقتًا أطول للمؤسسات الإنتاجية لكي تتدارك الموقف وتعيد تهيئة أوضاعها من جديد، وهذا بلا شك يؤدي إلى إطالة عمر الأزمة، مما يضعف المناعة الذاتية لأركان النظام الاقتصادي، وبالتالي تقل مقاومته الذاتية.
وتناول بعض الاقتصاديين مثل ريكاردو ظاهرة اتجاه معدل الأرباح للانخفاض فعزوا ذلك إلى قانون تناقص الغلة الذي يعني تناقص القيمة المضافة بعد حد معين جراء استخدام عنصر إنتاجي متغير مع عناصر أخرى ثابتة، وبالتالي تزداد التكلفة فيتقلَّص الفارق بين الإيرادات والمصروفات ومن هنا يتقلص الربح، لكن ربما يصدق ذلك التحليل بصورة أو بأخرى على القطاع الزراعي ولكن من الصعب تعميمه على نظيره الصناعي، ذلك أن المنتجات الصناعية على المدى الطويل تصبح أرخص منها على المدى القصير جراء توافر الفرصة لاستخدام نظم إنتاجية أكثر كفاءة، وعلى ذلك فليس هناك ما يبرِّر اتجاه المعدلات الربحية ناحية الانخفاض.
من ناحية أخرى قدَّم ماركس تفسيره الخاص عن تبرير هذا الانخفاض للأرباح على المدى الطويل، حيث أرجع ذلك إلى توحُّش قوى المنافسة بين الرأسماليين أرباب المؤسسات الإنتاجية، ونظرًا إلى شيوع قانون الغاب في الأسواق اضطر الرأسماليون إلى إعادة هيكلة مؤسساتهم وإحلال الآلة محل العمال سعيًا وراء زيادة الإنتاج، فالسوق لا ترحم من يتخلَّف عن السباق، فأدى ذلك إلى نمو استخدام رأس المال بوتيرة أسرع من استخدام قوة العمل، ولما كان العمل هو مصدر القيمة الفائضة للرأسماليين أدت الزيادة في استخدام الآلات عوضًا عن العمل إلى تناقص معدلات الأرباح، فكلما نجح الرأسماليون في عملية التراكم الرأسمالي تلك شكَّل ذلك ضغطًا على النظام الاقتصادي القائم ودفعه ناحية خفض الأرباح.
الفكرة من كتاب الاقتصاد المجنون.. الرأسمالية والسوق اليوم
رغم ما يشاع عن عظمة المذهب الرأسمالي وإسهاماته في رفع المستوى المعيشي للملايين حول العالم في الدول الرأسمالية المتقدمة؛ فإن الفرد يقف حائرًا وسط هذا الفقر المدقع المستشري في جميع دول العالم المتقدمة والنامية على السواء..
يكشف هذا الكتاب حساب الرأسمالية المعاصرة وإلقاء اللوم عليها جراء الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، فهو يتتبع إفلاس النظم الاقتصادية المعاصرة في القضاء على الفقر، كما يغوص في ديناميكيات الرأسمالية وكيف تتشكَّل الأزمات الاقتصادية، كما يعرِّج في النهاية على أثر الاختلالات الهيكلية للأنظمة الاقتصادية المعاصرة في مستقبل العالم.
مؤلف كتاب الاقتصاد المجنون.. الرأسمالية والسوق اليوم
كريس هارمن: كاتب صحفي وناشط سياسي ومنظِّر ماركسي بريطاني، وعضو باللجنة المركزية لحزب العمال الاشتراكي ببريطانيا، وكان رئيس تحرير مجلة العامل الاشتراكي ولاحقًا لمجلة الاشتراكية الأممية، وتُوفِّي نتيجة سكتة قلبية في القاهرة بمصر في أثناء مشاركته في مؤتمر مركز الدراسات الاشتراكية في 7 نوفمبر 2009.
أنتج هارمن مجموعة كبيرة من الكتب والمقالات عن عدة موضوعات، ومنها: “كيف تعمل الماركسية؟”، و”غرامشي ضد الإصلاحية” و”النبي والبروليتاريا”.