ديناميكية الرأسمالية
ديناميكية الرأسمالية
يخلق النظام الرأسمالي معركة وهمية يحوِّل فيها الجنس البشري بأكمله إلى ترس في ماكينة الإنتاج العملاقة، فالرأسمالية تقوم على التوسع المستمر للقيم الإنتاجية لا سيما مع اعتبار العمل نفسه سلعة مثل أي سلعة أخرى، حينها تُجري على العمال عوامل العرض والطلب التي تهمل إلى حد كبير الحاجات الإنسانية والرغبات الفردية، وهنا يأتي الاستغلال البشع لقوة العمل عبر دفعهم للعمل ساعات أطول مقابل أجور مخفضة قدر الإمكان.
ونتيجة لعدم إنسانية الأسواق المعاصرة والمنافسة العمياء بين أقطاب الصناعات المختلفة نجد أن الرأسمالية أضحت سباقًا للفئران، فالكل يتسابق لينال قطعة الجبن، كما ربطت بصورة محكمة بين أجزاء الاقتصاد ككل وأصبحت كل أجزائه معتمدًا بعضها على بعض بصورة أو بأخرى، وهذا ما يفسر الانتشار السريع لأي أزمة مالية تنشأ في أحد القطاعات الاقتصادية، فنتيجة للروابط الخلفية والأمامية مع باقي القطاعات المتشابكة تنتشر تلك الأزمة لتصيب الاقتصاد بأكمله بالشلل، وعند ذلك تبدأ كرة الثلج بالتضخم وتتحوَّل الأزمة العابرة إلى أزمة اقتصادية كبرى، وهذا واضح الآن في الأزمة الاقتصادية لفيروس كورونا “كوفيد19″، فلم يستغرق الأمر كثيرًا حتى اجتاحت العاصفة العالم أجمع.
ومن المستغرب أن صادف صعود الرأسمالية ظهور بارونات المال الذين تبادلوا الأدوار مع إقطاعيي العصور الوسطى، وتم سن حزمة من القوانين التي أدت في النهاية إلى نزع ملكية الفلاحين واضطرارهم مع ضغوط الحياة المستمرة إلى الرضوخ تحت وطأة العمل لدى الرأسماليين الكبار، مما أدى في النهاية إلى تركيز الثروة في أيدي الطبقة الرأسمالية، ومن هنا كان العمل هو بحق عبودية القرن الجديد، لا سيما مع استقدام تكنولوجيا الآلات لتحلَّ محل العمال وخلق منافسة وهمية بين رأس المال والعمال تفضي إلى مزيدٍ من خفض الأجور وبالتالي زيادة العبودية، وعلى ذلك فالرأسمالية وإن أبدعت في عملية إنتاج السلع والخدمات فإنها على النقيض تمامًا أخفقت في مجال العلاقات الإنسانية وقضايا السلم الاجتماعي والاستقرار النفسي، ما زاد من مشاعر السخط العام والبؤس المتزايد وزيادة موجة العداء والكراهية بين طبقات المجتمع الواحد.
الفكرة من كتاب الاقتصاد المجنون.. الرأسمالية والسوق اليوم
رغم ما يشاع عن عظمة المذهب الرأسمالي وإسهاماته في رفع المستوى المعيشي للملايين حول العالم في الدول الرأسمالية المتقدمة؛ فإن الفرد يقف حائرًا وسط هذا الفقر المدقع المستشري في جميع دول العالم المتقدمة والنامية على السواء..
يكشف هذا الكتاب حساب الرأسمالية المعاصرة وإلقاء اللوم عليها جراء الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، فهو يتتبع إفلاس النظم الاقتصادية المعاصرة في القضاء على الفقر، كما يغوص في ديناميكيات الرأسمالية وكيف تتشكَّل الأزمات الاقتصادية، كما يعرِّج في النهاية على أثر الاختلالات الهيكلية للأنظمة الاقتصادية المعاصرة في مستقبل العالم.
مؤلف كتاب الاقتصاد المجنون.. الرأسمالية والسوق اليوم
كريس هارمن: كاتب صحفي وناشط سياسي ومنظِّر ماركسي بريطاني، وعضو باللجنة المركزية لحزب العمال الاشتراكي ببريطانيا، وكان رئيس تحرير مجلة العامل الاشتراكي ولاحقًا لمجلة الاشتراكية الأممية، وتُوفِّي نتيجة سكتة قلبية في القاهرة بمصر في أثناء مشاركته في مؤتمر مركز الدراسات الاشتراكية في 7 نوفمبر 2009.
أنتج هارمن مجموعة كبيرة من الكتب والمقالات عن عدة موضوعات، ومنها: “كيف تعمل الماركسية؟”، و”غرامشي ضد الإصلاحية” و”النبي والبروليتاريا”.