إسلام السوق
إسلام السوق
مع الانفتاح الاقتصادي بدأ استيراد أساليب الإدارة الحديثة وأدبيات تحقيق الذات الأمريكية، ومحاولة “أسلمتها”- على حد وصف الكاتب- أخذ الجيل الجديد ينصرف عن الأطروحات الصلبة للتنظيمات، وظهر جيل من الدعاة يروِّج لمفاهيم الإدارة الحديثة والتركيز على تسويق التديُّن الفردي بدلًا من مفاهيم الجهاد والخلافة والأمة والجماعة.
ويشير “هايني” إلى انتقال الحركات الإسلامية سلفية الطباع جهادية الأحلام من المحافظة على هذه الهوية والمفاهيم السابقة إلى الاختلاط بالسوق وتصاعد علمنتها بعد تقبُّل قيم السوق، فأودى بها هذا إلى تمييع مفاهيمها وإفراغها من محتواها وفقد هويتها لمناسبة قيم السوق، فإذا كان السوق يدندن حول الاشتراكية فالإسلام اشتراكي، وإذا كان السوق يدندن حول الرأسمالية فالإسلام رأسمالي.
ويوضح الكاتب أمثلة على هذا التغيير بدايةً من النشيد الإسلامي الذي ابتدأ مقاومًا وثائرًا ومتألمًا يخاطب الوطن وينتقد غربته، وتحول إلى أناشيد أقرب إلى الأغاني، متوسِّعة في استخدامها للسلم الموسيقي، تدندن حول قيم استهلاكية كالفرح والإنجاز وسعادة الحياة، فارغة من أي محتوى نضالي، مرورًا بالحجاب الإسلامي الذي ابتدأ لباسًا للحشمة وانتهى بحالة استعراضية للتفاخر وإظهار الجمال، وتتبُّع قيم الموضة الاستهلاكية.
إذن فإسلام السوق، إسلام المشاريع التنموية، هو ما حلَّ بعد عصر العولمة ودخول الإسلاميين إلى الأسواق العالمية، مما أصابها بسيولة في مفاهيمها الكبرى مثل الجهاد والدعوة بعد تبني رؤية التنمية البشرية الأمريكية المتمركز حول قيم النجاح الفردي والسعي نحو الثروة والنجاح الدنيوي المادي، وبدء التصالح مع مفاهيم الدولة القومية الحديثة، وتقبُّل الانفتاح على السوق العالمية والتماهي تحت سلطة الثقافة الغربية.
الفكرة من كتاب إسلام السوق
في القرون الماضية كان الإسلام العامل المحدِّد لكل المجالات على الأراضي الإسلامية، وهو المؤثر فيها باعتبارها خاضعة له لا العكس، وعلى الرغم من الاتفاق على أن الإسلام واحد لا يتبدَّل ولا يتغيَّر باعتباره شريعة إلهية، فقد بدأت تظهر بعض الاختلافات في فَهمه وفهم تأويلاته وتنزيلها على أرض الواقع فيما يُعرف بالتدين، نتيجة لاختلاف الثقافات ومدى قربها وبعدها عن أرض المنبع، لكن ظل الإسلام العامل الحاسم في تنظيم المجتمع وإدارته وسن قوانينه واتباع أحكامه، وهو العامل الحاسم في إضفاء الشرعية على الحكم السياسي للبلاد واعتبارها “دولة إسلامية” إن صح التعبير عن ذلك بمفهوم “دولة”، وهو ما يسلِّط هذا الكتاب الضوء عليه.
مؤلف كتاب إسلام السوق
باتريك هايني Patrick Haenni: باحث سويسري في العلوم الاجتماعية، وباحث سابق في مركز الدراسات والتوثيق القانوني(CEDJ) بالقاهرة، وباحث سابق في مرصد الأديان بسويسرا، وعمل بمنصب مستشار شؤون الشرق الأوسط في مركز (الحوار الإنساني)، وصدر له كتاب “ما بعد الإسلام السياسي” بالاشتراك مع أوليفييه روا، وكتابا “نظام الأعيان”، و”معارك حول الإسلام في الغرب”.
يمثل باتريك هايني جيلًا جديدًا من أجيال الإسلامولوجيين (المهتمين بالظاهرة الإسلامية)، وهو جيل يحرص أشد الحرص على الموضوعية العلمية والدراسة الوصفية والتحليلية البعيدة عن أي توظيف سياسي، وقد قضى وقتًا طويلًا في مصر وأقطار أخرى من العالم الإسلامي، وله صلات علمية وطيدة مع بعض التيارات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي، فعاش حينًا من الدهر في القاهرة دارسًا، وتعلم اللغة العربية وتعرَّف من كثب على الإسلاميين، وتعرَّف أيضًا على الإسلاميين الإندونيسيين والأتراك.