العواصم الإسلامية
العواصم الإسلامية
شهد محمد أسد الزحف الغربي على بلاد المسلمين جعرافيًّا وثقافيًّا وقيميًّا، كما شاهد مقاومة المسلمين للتحرُّر من الاستعمار الغربي وردود الفعل الغربي على هذه المقاومة واختزالها في مفهوم الرهاب الأجنبي، وقد زار محمد أسد مصر ولم تقتصر زيارته على المرور العابر، بل كانت إقامة طويلة رصد فيها عن قرب الحقائق والوقائع ووصف حال السواد الأعظم من سكان القاهرة وهم يطلقون الضحك بقلب فارغ وعقل متحرِّر من الهموم رغم الاضطرابات السياسية والاجتماعية الراهنة، وكيف ينقلب هذا إلى غضب وعنف شديد وصدام مع سلطات الاحتلال، ثم إلى هدوء واسترخاء تام كأن شيئًا لم يحدث، وكيف أن طائفة من الشعب كانوا يتودَّدون إلى الحكام الإنجليز ويساعدونهم على قمع الثورات الشعبية لارتباط مصالحهم بالمستعمر المحتل، كما رصد السعي الأجنبي الدائم إلى تمزيق وحدة العرب والمسلمين وقمع قواهم وتغييب وعي الجماهير، وكل ذلك كراهيةً وازدراءً للشعوب.
انتقل محمد أسد إلى سوريا في زمن الاحتلال الفرنسي واستقر في دمشق زمنًا طويلًا، وكان دائمًا ما يراقب العلاقات الإنسانية التي عادةً ما تتجلَّى حقيقتها في الأسواق، وأدهشته العلاقات الاجتماعية بين الناس وما تعكسه من طمأنينة نفسية وثقة متبادلة والبساطة والاحترام الدافئ الذي يتجلى عند تلاقي الناس وفراقهم، وهي نفس المشاعر التي لاحظها في سوق القدس والأسواق العربية الأخرى، أدهشته تلك الطريقة التي يمشي بها رجلان متشابكي اليدين كأنهما طفلان صديقان، ويصف محمد أسد يوم الجمعة والمسجد الذي يحتل قلب دمشق باعتباره محور نشاطها، فليس المسجد نائيًا ولا ساكنًا سكون الموت طوال الأسبوع كما هو الحال في الكنائس الغربية.
لقد انغمس محمد أسد في القراءة عن الإسلام ولكن لم يكن قد تعلم العربية بقدر يمكِّنه من فَهم القرآن بها، فلجأ لترجمة معانيه، فكان أول ما انطبع في نفسه عنه أنه طريقة حياة وبرنامج للسلوك الشخصي والاجتماعي وليس مجرد علاقة روحية فردية بالله، وأن الإنسان لا يرث بالتبعية ذنوب آبائه وأجداده، وأنه ليس هناك واسطة بين العبد وربه، وأنه ليس هناك ازدواجية بين الجسم والروح وإنما يتكاملان في كيان واحد.
الفكرة من كتاب محمد أسد.. سيرة عقل يبحث عن الإيمان
يَندُر أن يصادف المرء شخصية يؤمن صاحبها عن فَهم ويعمل بمقتضى إيمانه، شخصية يتطابق فيها عمق الإيمان مع قوة الإرادة واستقامة السلوك، وأكثر من هذا ندرة أن تتوافر هذه الخصال في شخص لا تتوافر في بيئته ومجتمعه عوامل تدعم هذه الخصال، بل تتوافر عوامل معاكسة مثبِّطة، وهذا هو شأن الصالحين والمصلحين في مجتمعاتهم.
وفي هذا الكتاب لا يسرد الكاتب سيرة محمد أسد سردًا تاريخيًّا من المولد إلى الوفاة، ولكنه يرصد التحولات العقلية لصاحبها خطوة بخطوة حتى انفتحت في وعيه شرارة كشفت له الكون ليرى موقعه الذي اختاره الله له.
مؤلف كتاب محمد أسد.. سيرة عقل يبحث عن الإيمان
محمد يوسف عدس: مفكر وفيلسوف مصري، ولد في قرية بهوت بمحافظة الدقهلية عام 1934م، تخرج في كلية الآداب جامعة القاهرة، عمل مديرًا للمركز الثقافي بالفلبين، وأمينًا عامًّا لمكتبة المعهد العالي للتكنولوجيا بأستراليا ثم أمينًا للمكتبة القومية بأستراليا ثم خبيرًا للمكتبات بمنظمة اليونسكو، ثم مديرًا لمكتبات جامعة قطر، تفرَّغ لدراسة القضايا الإسلامية المعاصرة في التاريخ الحديث.
من أشهر مؤلفاته: “البوسنة في قلب إعصار”، و”الحرب الشيشانية بين التأليف والتزييف”، توفي في أستراليا عام 2017 عن عمر يناهز الـ 83 عامًا.