بداية الطريق
بداية الطريق
نشأ محمد أسد في أسرة يهودية كانت تهيئه ليكون كاهنًا في معبد يهودي، وتلقَّى دروسًا في أساسيات الديانة العبرية بحكم العادة الجارية في أسرتهم وليس لأن أبويه ملتزمان دينيًّا، وكانت نتيجة الدراسة اللاهوتية العميقة أن استوقفه ما اصطدم بعقله وفطرته،كفكرة الإله القبلي المسخِر كل مخلوقاته للشعب المختار والتجرُّد التام من فكرة الرسالة العامة الشاملة لكل البشر، ولم يدفعه ما أنكره في اليهودية على البحث عن الحقيقة في الأديان الأخرى، بل وجد نفسه منساقًا في تيار إلحادي يرفض كل المؤسسات الدينية ولم يكن ليفكِّر في هذا الوقت المبكر من شبابه في الإسلام، فكل ما كان متاحًا أمامه عن الإسلام في الثقافة الأوروبية أنه حشد من الخرافات.
هجر محمد أسد أسرته ليعمل بالصحافة وليجوب الأرض من أقصاها إلى أقصاها بحثًا عن حقيقة إيمانية يطمئنُّ لها قلبه وعقله، وفي سنة 1922م عُين محمد أسد مراسلًا خارجيًّا لصحيفة فرانكفورت تسايتونغ، واتخذ القدس مركزًا لعمله الجديد ثم انطلق منها إلى مصر وسوريا وإيران والأردن والجزيرة العربية وأفغانستان، ما منحه رؤية جديدة للشؤون العالمية واستبصارًا عميقًا في قضية الصراع العربي الصهيوني في فلسطين، وخلال ترحاله في أرجاء العالم المسلم تزايد اهتمامه بالإسلام دينًا وحضارة، ولكنه لاحظ وبنفس القدر من الاهتمام تدهور أوضاع المسلمين، وأدرك عمق الفجوة بين تعاليم الإسلام ومبادئه وبين أحوال المسلمين المتردِّية، ولكن هذه المشاهدات لم تثنِه عن مواصلة البحث عن الإيمان الحق.
عكف محمد أسد على دراسة القرآن، وأدرك في وقت مبكر أن فَهم القرآن يتطلَّب إجادة اللغة العربية وشعر بضرورة العيش مع المجتمعات العربية البدوية، وساعدته إجادة اللغة العربية على ترجمة معاني القرآن إلى اللغة الإنجليزية في كتابٍ أسماه “رسالة القرآن” توجَّه فيه إلى العقل الغربي بصفة خاصة، فقد بذل محمد أسد جهدًا هائلًا في دراسة القرآن وفهمه، وقد أذهلته قوة الخطاب القرآني وعمق توجهاته الإنسانية والاتساق والتكامل بين حاجات الروح والجسد وبين العقل والإيمان وبين التقوى والاستمتاع بطيبات الحياة الدنيا، كما سعى محمد أسد لإنهاض المسلمين وأصبح هدفه الذي عاش من أجله بقية حياته، وظل يناقش ويكتب عن ضرورة الإصلاح والتغيير في الأنفس قبل الأشياء، وبدأ يضع أفكاره على ورق فكان كتابه الأول “الإسلام على مفترق الطرق”.
الفكرة من كتاب محمد أسد.. سيرة عقل يبحث عن الإيمان
يَندُر أن يصادف المرء شخصية يؤمن صاحبها عن فَهم ويعمل بمقتضى إيمانه، شخصية يتطابق فيها عمق الإيمان مع قوة الإرادة واستقامة السلوك، وأكثر من هذا ندرة أن تتوافر هذه الخصال في شخص لا تتوافر في بيئته ومجتمعه عوامل تدعم هذه الخصال، بل تتوافر عوامل معاكسة مثبِّطة، وهذا هو شأن الصالحين والمصلحين في مجتمعاتهم.
وفي هذا الكتاب لا يسرد الكاتب سيرة محمد أسد سردًا تاريخيًّا من المولد إلى الوفاة، ولكنه يرصد التحولات العقلية لصاحبها خطوة بخطوة حتى انفتحت في وعيه شرارة كشفت له الكون ليرى موقعه الذي اختاره الله له.
مؤلف كتاب محمد أسد.. سيرة عقل يبحث عن الإيمان
محمد يوسف عدس: مفكر وفيلسوف مصري، ولد في قرية بهوت بمحافظة الدقهلية عام 1934م، تخرج في كلية الآداب جامعة القاهرة، عمل مديرًا للمركز الثقافي بالفلبين، وأمينًا عامًّا لمكتبة المعهد العالي للتكنولوجيا بأستراليا ثم أمينًا للمكتبة القومية بأستراليا ثم خبيرًا للمكتبات بمنظمة اليونسكو، ثم مديرًا لمكتبات جامعة قطر، تفرَّغ لدراسة القضايا الإسلامية المعاصرة في التاريخ الحديث.
من أشهر مؤلفاته: “البوسنة في قلب إعصار”، و”الحرب الشيشانية بين التأليف والتزييف”، توفي في أستراليا عام 2017 عن عمر يناهز الـ 83 عامًا.