دور الشريعة في قيام الحضارة الإسلامية
دور الشريعة في قيام الحضارة الإسلامية
إن الخطأ الأكبر الذي سيطر على العقل الجمعي للمسلمين المعاصرين والأمة في عصورها ما بعد القرن الرابع الهجري أنهم توهَّموا أن الإسلام حركة وجدانية فقط، لذلك أصبح من الصعب تصوُّر أنه يصلح في أمور الحياة العامة، والحق أن الإسلام هو حركة فكرية بامتياز وليس حركة وجدانية كما هو شائع، لكنه لا يخلو من الوجدانيات، بل هو إدراك فكري في الأساس للدعوة القرآنية ثم بعد ذلك يتضمَّن حركة وجدانية كبيرة ولها أهميتها، وبذلك فإن المعرفة ببرنامج الإسلام المتمثِّل في تفاصيل شريعته المحكمة، ينبغي أن تسبق استعداد المسلمين الوجداني أو قدرتهم على إنجاح ذلك البرنامج وتفعيله على أرض الواقع.
ومن دون هذه المعرفة في ظل الارتباط الوجداني بالإسلام فلن يكون هناك قدرة ولا قرار يحوِّله إلى واقع ناجح، ولن تستطيع أن تخلق العادة الأخلاقية التي لا غنى عنها للحياة الإسلامية الصحيحة، وهي تحديدًا القدرة التلقائية على تحديد الصواب من الخطأ في أي موقف من المنظور الأخلاقي الإسلامي، وهذا حقًّا ما فعله المسلمون الأوائل، فقد كانوا على وعي تام بالأهداف الروحية والاجتماعية المتضمَّنة في الشريعة، واقتنعوا بأن هذا الشرع سيهديهم إلى حياة أكمل وأكثر رضًا، وحرصوا على بناء المنظومة الأخلاقية تبعًا للشريعة، ولم تكن تهدف إلى الصلاح الفردي فقط، بل يصل تأثيرها إلى التعاون الاجتماعي والتقدم الثقافي.
لكن بداية من القرن الرابع الهجري بدأ المجتمع يفقد اتصاله المباشر بأصول الشريعة، وذلك لما قام به أجيال من العلماء من إضافة لاستنتاجاتهم الشخصية إلى الأحكام الشرعية الأصلية الصريحة فزادت تعقيدًا، وبعدت عن متناول العامة من المسلمين، فحل عنصر الصيغ الجاهزة محل عنصر الوعي بالأحكام ودلالاتها المهمة جدًّا، وفقدت العادة الأخلاقية حيويتها وفاعليتها، وتحولت الشريعة إلى آلية من التقاليد والمفاهيم المعتادة وانحسر دورها الاجتماعي والاقتصادي شيئًا فشيئًا، وأيضًا الدور السياسي أخذ ينحسر ويتراجع، ولم يبقَ إلا عاطفة غامضة بعد أن كان هناك يومًا ما ازدهار فكري مشهود وحضارة عظيمة، وأصبح المجتمع الإسلامي مستعدًّا للتحلُّل.
الفكرة من كتاب هذه شريعتنا.. ومقالات أخرى
نتعرَّض يوميًّا للعديد من المسائل الفقهية في حياتنا اليومية، ونذهب لنتعرَّف على أمر الشرع في هذه المسائل فنجد آراء متعددة من فقهاء كثر على مذاهب فقهية متعددة، وكل فقيه لديه من الأدلة المقنعة ما يرجح به كفته، فلا نعرف أي الآراء الأصح والواجب الاتباع، وهل لو اتبعنا رأيًا أقل رجاحة من بقية الآراء نكون آثمين مخالفين للشرع؟
في هذا الكتاب يستعرض الكاتب الفرق بين أوامر الشريعة الثابتة واجتهادات الفقهاء الخاصة بأحداث معينة في أزمان معينة وظروف محيطة معينة ويوضح الفرق بينهما في التعامل، ويتحدَّث عن التقليد وما نتج عنه على مرِّ القرون المنقضية، والحل لمشكلة تدهور المجتمع المسلم.
مؤلف كتاب هذه شريعتنا.. ومقالات أخرى
محمد أسد Muhammad Asad: كاتب ومفكر ولغوي وناقد اجتماعي ومترجم ورحالة مسلم، ولد في الإمبراطورية النمساوية الهنجارية عام 1900، وتوفي في إسبانيا عام 1992، درس الفلسفة في جامعة فيينا، وعمل مراسلًا صحفيًّا، وبعد منحه الجنسية الباكستانية تولى عدة مناصب منها منصب مبعوث باكستان إلى الأمم المتحدة في نيويورك، وطاف العالم، ثم استقر في إسبانيا وتُوفِّيَ فيها ودفن في غرناطة، ويعد محمد أسد أحد أكثر مسلمي أوروبا في القرن العشرين تأثيرًا.
من كتبه ومؤلفاته:
– روح الإسلام.
– في رسالة للقرآن.
– الطريق إلى مكة المكرمة.
– الإسلام على مفترق الطرق.
– مبادئ الدولة والحكومة في الإسلام.