قواعد الإبدال وعيوبها الكثيرة
قواعد الإبدال وعيوبها الكثيرة
الإبدال هو جعل حرف مكان آخر، ويشمل القلب والنقل والحذف والإدغام ولا يصح إخراجها منه، لأن الاختصار في تبويب الأبواب وأرسخ للعقل من فكِّ نظام المعلومات آحادًا، وقد اهتم العلماء قديمًا بهذا الباب، ومن حق اللاحقين أن ينظروا إلى صنيع أجدادهم نظر الفحص والتمحيص لأن رعاية التركة واجبة على الوارث، وقواعد الإبدال عندهم فاسدة التقعيد، مثل قول ابن مالك: “والواو لامًا بعد فتحٍ ينقلب”، فلسنا نجد واوًا بعد فتح وإنما ألفٌ انقلبت ياءً، وهذه أمثلة لواو هي لام وقبلها فتح ولم تُقلب ألفًا، فكل ثلاثي ناقص بألف أصلها واو عند إسناده إلى ألف الاثنين أو تاء الفاعل أو نون النسوة تُرد الألف واوًا وتبقى الواو مع الضمائر نحو: (غَزَوَا – غَزَوْتُ – غَزَوْنَ).
وإذا سألتهم: لماذا حُذفت الواو في (تَعِد) قالوا: لأن الواو وقعت بين عدوتيها الفتحة والكسرة، فإذا سألتهم: لماذا لم تُحذف في (موئل وموعد) لم يحيروا جوابًا، وعيب آخر في القاعدة يؤكد عدم انطباقها هو كثرة شواذها فتجد ما يخرج منها أكثر مما يدخل فيها، كما أن إهمال هذه الشواذ وعدم البحث فيها عيب ثالث، فالقواعد تُقعَّد لتكون سهلة التناول لا أن تكون ألغازًا، لكأن اللغة تعبُّدية لا يُعقل ما فيها، فيذكرون القواعد جافية تُصيب بالملل ولا تُستوعب إلا بالحفظ، والحفظ وعاء كل شيء ليس فيه تفكير. وإذا عنَّ لهم أن يذكروا الأسباب، اطلعت منهم على ما لا يغني، وتلك منزلة أحط مما يجب للذوق الكلامي، ولا تصون القواعد عن الخطأ إلا ومعها حسن التذوق.
ومن عيوبهم في الإبدال أنهم يجعلونه مراتب، فمثلًا قولهم: خطايا أصلها خطيئة ثم صارت في الجمع خطايئ ثم خطائي ثم خطاءَى ثم خطايا، وهذه السلسلة الطويلة قائمة على التخمين الذي تُنزَّه عنه العلوم. ومن عيوب طريقتهم ضربُ أمثلة ليست مستعملة في حياتهم، يقصدون تمرين الطلاب، والمربون مجمعون على أن الأمثلة ينبغي أن تكون واقعية، فالعلم طريق إدراك الحقائق لا التخيُّلات والظنون.
الفكرة من كتاب كينونة اللغة العربية
ليست اللغة وسيلة للتفاهم وأداة لنقل المعاني فحسْب، بل هي تعبير عن مدنية الإنسان التي مكَّنته من اختراع هذه الأداة العظيمة لينقل بها مشاعره وأحاسيسه وأفكاره، ويؤلفَ شعوبًا ومدنًا وحضارة، وفي هذا العرض الموجز نستكشف عواملَ نشأة اللغات وكيف تنمو وتنتظم وتتطوَّر، ومن واضعها، وما وضعها وبنيتها، وندرس جانًبا من خصائص اللغة العربية وبعض المشكلات التي تواجه دارسيها.
مؤلف كتاب كينونة اللغة العربية
الدكتور عبد الفتاح بدوي: كاتب وعالم، يعدُّ كبار علماء الأزهر الشريف، وُلد بقرية طحلة مركز بنها بمحافظة القليوبية عام ١٨٩٨، درس في المعهد الأزهري بالإسكندرية، وحصل على شهادة الدكتوراه الملكية عام ١٩٢٩، وعمل مدرسًا بكلية اللغة العربية منذ عام ١٩٣٣ حتى وافته المنية (رحمه الله) عام ١٩٤٨.
ومن مؤلفاته: “كتاب في العروض والقوافي”، وله جهود وآراء متميزة في قضية الأضداد في اللغة، وكتب في التاريخ، وذكر الزركلي ترجمته في الأعلام.