تطويرٌ للغة العربية أم هدم؟
تطويرٌ للغة العربية أم هدم؟
عندما نشأت طبقة المُثقفين والتنويريين في القرن الماضي نشأت معهم أسئلة عديدة بخصوص اللغة العربية والدين، بداعي التطوير والتحديث ومواكبة التغيرات المجتمعية الناشئة، ووجدوا العديد من المداخل التي تبرِّر مواقفهم، حيث اعترضوا على الربط الدائم بين اللغة العربية والإسلام، وأذاعوا أن العربية ملكٌ لمتكلِّميها يستطيع أيُّ فرد منهم أن يتصرَّف فيها كيفما شاء، وكذلك انتقدوا أحقية الأزهر والمجامع اللغوية بحماية اللغة وتقرير المستجدات وما يطرأ على المفردات والمعاني، إلى غير ذلك.
وقدَّم المثقفون العديد من المشاريع الثقافية بهذا الصدد، ومنها مثلًا المناهج الدراسية وتغييرها وتعليم الصغار باللهجات العامية، ويقولون في ذلك إن اللهجات العامية تناسب عقول الأطفال وتيسِّر عليهم العملية التعليمية، أرادوا أن يتم إلغاء حفظ النصوص والمطالعة التي يُعدُّونها الجزء الأصعب على عقل الطفل الذي لا يستوعب كل ما يحفظه! صحيح أنه فعلًا لا يستوعب الطفل كل ما يحفظ، ولكن ذلك الحفظ مع فهم واستيعاب ما يستطيع تقبُّله من محفوظه في تلك السن سينعكس عليه فيما بعد في تفكيره ونمط حياته وعقله واهتماماته وثقافته وهويته.
لكن هدف تلك الطبقة التنويرية المُعلَن هو فصل كامل للأجيال الجديدة عن تراث الآباء والأجداد والانسلاخ من الهوية العربية الإسلامية التي لم تَعُد تواكب المجتمع الحداثي التكنولوجي اليوم.
أما عن البدائل التي اقترحوها للدراسات اللغوية والإسلامية فمنها مثلًا: إعادة تدوين علم النحو من جديد للتيسير وظهرت في ذلك أفكارٌ عديدة؛ منها المقترح بتسكين أواخر الكلمات وإلغاء باقي الحركات النحوية، ومنها ما حدَّد عناصر الجملة الأساسية من (اسم وخبر) أو (فعل وفاعل) فقط وأدرج الباقي من مفاعيل وإضافات وظروف تحت باب مستحدث يُعرف بـ”تكملة الكلام” لا شرح له، والمقترح الأخير كان تبديل كل الدراسات الأكاديمية الإسلامية من نحوٍ وصرف وبلاغة وتاريخ إسلامي وقرآن وحديث، واستحداث دراسات جديدة مثل اللهجات العربية الحديثة والآداب الشعبية وتطوير الفكر الإسلامي.
وفي النهاية تبقى المشكلة أن كل تلك الأفكار والمشاريع اللغوية متأثِّرة بالغرب ونابعة من طريقة تعاملهم مع اللغات الأوروبية التي تختلف كليَّةً عن اللغة العربية، فكل اللغات الأوروبية لا تلبث أن تتغيَّر مُفرداتها ويجدُّ عليها من الأمور في بنيتها وتركيبها ما لا يحدث في اللغة العربية، لأن طبيعة اللغة العربية أنها لغة مستقرة بقواعدها وغنية بمفرداتها وثرية تعبيراتها، كل ذلك بالطبع يحول دون التطوير المزعوم.
الفكرة من كتاب حصوننا مُهدَّدة من داخلها
رغم أن الواقع العربي والإسلامي اليوم ليس على ما يرام فيجب القول إنه لولا كلمات المفكرين الإسلاميين والعلماء وكل من تنبّه إلى صنيع الاستعمار ومحاولته لاحتلال العقول وتفريغها من الهوية الإسلامية والذاتية العربية، لكان الوضع أسوأ أضعافًا مضاعفة.
في هذا الكتاب، يتحدَّث الكاتب بدايةً عن المجتمع الريفي ومدى تماسكه وكيف مثَّل شوكة في حلق المستعمر، ثم ينتقل للحديث عن القومية والمبالغة فيها حد الانفصال عن بقية العرب، ثم يوضِّح ما تتعرَّض له المرأة المسلمة من ضغوطات خارجية وداخلية، وأخيرًا يسرد المشاريع اللغوية التي كانت محط أنظار المثقفين في خمسينيات وستينيات القرن الماضي وما زالت تتلوَّن بألوان مختلفة إلى اليوم.
مؤلف كتاب حصوننا مُهدَّدة من داخلها
محمد محمد حسين، أديب إسلامي مصري، ولد سنة 1912، وهو باحث في الأدب العربي، وحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة، وتدرَّج في التدريس بالجامعات المختلفة من كلية الآداب جامعة الإسكندرية، وجامعة بيروت، والجامعة الليبية، وتوفي عام 1982.
له العديد من المؤلفات المهمَّة في الأدب والفكر الإسلامي، مثل:
الإسلام والحضارة الغربية.
الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر.
الروحية الحديثة دعوة هدامة.
الهجاء والهجاءون في الجاهلية.