من نفس الكأس!
من نفس الكأس!
يشتهر كثير من الملحدين بجدالهم حول معاناة المؤمنين من الأوهام، ومن الاحتياجات غير الواعية والطفولية، ولكن بإمكاننا توظيف المفاهيم السيكولوجية التي يستخدمها الملحدون تجاه المؤمنين لتفسير إلحادهم، فهي سيوف ذات حدَّين.
فقد قدَّم فرويد نظرية الإسقاط لتفسير الحالة الإيمانية، فالإله مجرد إسقاط لرغباتنا الشديدة غير الواعية، وهو محقق للأماني المستمدة من الاحتياجات الطفولية إلى الحماية والأمان، وبالوقوف مع هذه النظرية تاريخيًّا نجد أن فيورباخ صاغها قبل فرويد، وما قام به فرويد هو إحياء لموقف فيورباخ، وعلى الرغم من إحياء فرويد لها فإنه يعترف أن نظرية الإسقاط لا تنشأ من أدلَّة التحليل النفسي، فهي ليست مبنيَّة على أدلة سريرية مزوَّدة من قِبل مريض مؤمن، فالنظرية غير مدعمة، وهي نظرية تعتمد على ذاتها فحسب.
وفي الحقيقة قدَّم لنا فرويد وسيلة جديدة لإدراك أن نظرية الإسقاط يمكننا توظيفها في الإلحاد، ففرويد يعتمد على مفهوم رئيس في عمله بجانب “اللا وعي” وهو “عقدة أوديب”، والذي يكون فيها الطفل متعلِّقًا بوالدته كارهًا لوالده لأنه يشاركه إيَّاها وما تبقى من هذه العقدة في اللا وعي يظهر في الاضطرابات العصبية، كما أعدَّ فرويد نموذجًا تاريخيًّا لهذه العقدة من خلال عرضه للأصل الأوديبي والطوطمي في الدين واقترح أنها الحالة البشرية الأولية، وباختصار فإن الطوطمية تدل على كراهة الأبناء لوالدهم الذي يُشكِّل عائقًا يحول بينهم وبين رغباتهم الجنسية، لكنهم أحبوه وأعجبوا به بعدما تخلَّصوا منه، فندموا، فأصبح الأب المقتول أقوى مما كان عليه وهو على قيد الحياة.
وبهذا يكون قد وضع فرويد من غير قصد سببًا منطقيًّا واضحًا لفهم أصل رفض الإله، فضمن الهيكل الفرويدي سيكون الإلحاد عبارة عن وهم ناتج عن الرغبة الأوديبية في قتل الأب “الإله” والحلول محلَّه.
الفكرة من كتاب نفسية الإلحاد: إيمان فاقد الأب
هل يبني الإنسان معتقداته على الأفكار والبراهين فحسب؟ أم أن هناك عوامل أُخرى قد ينفعل بها الإنسان عند اختياراته؟ في الحقيقة قد يجد البعض صعوبة في الإيمان بالإله نتيجة لظروف خاصَّة سابقة أو حالية إلا أن له الإرادة الحُرَّة بلا شك، ففي هذا الكتاب يفتح لنا الكاتب زاوية جديدة عن دوافع الإلحاد، فيقدِّم “سيكولوجية الإلحاد”، وذلك بالتركيز على المشكلات النفسية لدى المُلحد، وخصوصًا “مشكلة الأب” كما سمَّاها، ومدى تعلُّق مرض التوحُّد بالإلحاد، وقد يقوم المُلحد بنشر الإلحاد الناتج عن حالة نفسية معينة فيتحول ما هو شخصي إلى سياسي، ويصبح الإلحاد ظاهرة اجتماعية لها عواملها الأخرى التي تزيد من انتشارها.
مؤلف كتاب نفسية الإلحاد: إيمان فاقد الأب
الدكتور بول كلايتون فيتز (Paul Clayton Vitz)، وُلد في سنة 1935 ميلاديًّا، عالم نفس أمريكي حصل على البكالوريوس في علم النفس من جامعة ميشيغان ثم الدكتوراه في علم النفس من جامعة ستانفورد.
عمِل الدكتور “فيتز” أستاذًا فخريًّا لعلم النفس في جامعة نيويورك، ويقوم حاليًّا بالتدريس في معهد العلوم النفسية بجامعة الرحمة الإلهية في ستيرلنغ بولاية فيرجينيا، وركَّز عمله على الكشف عن العلاقة بين علم النفس والتديُّن والإلحاد.
من مؤلفاته: Sigmund Freud’s Christian Unconscious
Psychology as Religion: The Cult of Self-Worship