الثقافة والسلطة
الثقافة والسلطة
لعل الحديث عن العلاقة بين الأنظمة السلطوية والأزمة الثقافية هو بمثابة الصدام مع أحد أهم المحاور الرئيسة للأزمة التي على إثرها يتحدَّد الكثير من المعالم، فمفهوم الأخ الكبير في رائعة جورج أورويل “1984” يُظهر الأثر الكبير لانحطاط الثقافة العامة إذا وجَّهت الأنظمة السياسية أسلحتها إليها، فالسلطة بلا شك هي المسؤولة عن تهيئة التربة المجتمعية لزرع شجرة الثقافة والاعتناء بها، ولعل المادية التي طغت على الطابع المجتمعي اليوم خصوصًا في دول العالم المتقدم أسهمت في تعميق أزمة الثقافة مع التقدم العلمي، خصوصًا بعد الضغوط الاقتصادية واستعباد البشر لدرجة تحويلهم إلى ما يشبه تروسًا بشرية في ماكينة الإنتاج العملاقة، مما يتعارض مع سعي الثقافة إلى النمو المتكامل لقدرات الإنسان وملكاته الابداعية.
أما في دول العالم الثالث فنجد أن الصدام الأساسي ليس مع التقدم العلمي المادي بقدر ما هو صدام مع السلطة نفسها التي تشمل أنواعها الثلاثة من سلطة العرف والتقاليد، وسلطة الموروث العقدي وسلطة الدولة، فنظرًا إلى اتجاه الثقافة عمومًا إلى نزعة التغيير والتطوير نجدها تتصادم مع سلطة العرف والتقاليد التي تنزع بطبيعتها إلى الاستقرار والتقليد الأعمي.
كما أن حاجة العملية الثقافية إلى نوع من حرية التعبير والفكر والنقد يجعلها في صدام مباشر مع سلطة الحكومات والدول التي تتدخَّل تبعًا لاعتبارات سلطوية إلى فرض آرائها وتضييق الخناق على الحريات على نحو عام، أما مظاهر الصدام بين واقع الثقافة العربية والسلطة الدينية فحدِّث ولا حرج! فنتيجةً للفهم المغلوط من جانب الفريقين أخذت القضية شكل الصراع بين فريقين متناحرين بدلًا من أن ترتكز على التعاون المشترك، وينشأ هذا الصدام غالبًا من الخلط بين المعايير المستخدمة لكلا الحقلين ومحاولة تطويع أحدهما وفق معايير الآخر.
الفكرة من كتاب خطاب إلى العقل العربي
في ظل أزمة ثقافية يعيشها الوطن العربي، أصبح المثقف العربي خلالها غريبًا في وطنه ويجد صعوبة في التواصل مع الوسط المحيط، فضلًا عن وسائل التواصل التي انتشرت حاليًّا وتعمل بصورة أو بأخرى على تشكيل القالب الثقافي المجتمعي.. في هذا الكتاب يحاول المؤلف الاقتراب من الأزمة الثقافية العربية، ومشكلة التوافق بين الأصالة والمعاصرة، والصدام مع السلطة والتقاليد، وبحث العلاقة بين الذكاء الاصطناعي المتمثِّل في العقل الإلكتروني وبين العقل البشري.
مؤلف كتاب خطاب إلى العقل العربي
فؤاد زكريا: أكاديميٌّ مِصريٌّ وعَلَمٌ من أعلام الفِكر العربي المُعاصِر، وُلِد في مدينة بورسعيد في ديسمبر عامَ ١٩٢٧م، وتخرَّجَ في قسم الفلسفة بكلية الآداب بجامعة القاهرة، ونالَ درجتي الماجستير والدكتوراه من جامعة عين شمس.
عمِلَ أستاذًا ورئيسًا لقسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة عين شمس، وعمِلَ بالأمم المتحدة مستشارًا لشؤون الثقافة والعلوم الإنسانية في اللجنة الوطنية لليونسكو بالقاهرة، ونال جائزةَ الدولة التقديرية، وجائزةَ الدولة التشجيعية عامَ ١٩٦٢م عن كتابه «اسبينوزا»، وجائزةَ مؤسسة الكويت للتقدُّم العلمي عامَ ١٩٨٢م عن ترجمته لكتاب «حكمة الغرب» لِبرتراند رسل، تُوفِّي بالقاهرة عامَ ٢٠١٠م، عن عمر يناهز الثلاثة وثمانين عامًا.
له العديدُ من المُؤلَّفات منها: «التفكير العلمي»، و«الثقافة العربية وأزمة الخليج»، و«الصَّحْوة الإسلامية في ميزان العقل»، و«آراء نقدية في مشكلات الفِكر والثقافة»، وغيرها الكثير.