الأفكار الميِّتة والمُميتة
الأفكار الميِّتة والمُميتة
الأفكار الميِّتة هي الأفكار التي انسلخت عن جذورها وأصولها وفقدت هويتها وقيمتها الثقافية في يومنا هذا، ومن ثَم أصبحت غير قابلة للتعايش معنا الآن وبصورة أبسط: الأفكار الميتة كانت في العالم الإسلامي مرتبطة بجذرها (الوحي) يُغذيها ويُنمّيها في أذهان الناس، لكن بمجرد أن تم تهميش دور الوحي في المجتمع، صارت تلك الأفكار مثل الثمار التي تم قطعها من منبتها فجفت وفسدت، فكيف لتلك الثمار الجافة أن تكون مثل الثمار المتصلة بالجذور حين كانت الحضارة الإسلامية في أوجها، وهل يُتوقَّع من تلك الأفكار بعد ذلك الانفصال تحقيق ما حقَّقته سابقًا! والغريب أن الفكره الميِّتة دائمًا ما تستدعي الفكرة المُميتة المشابهة لها (الأفكار المميتة ليست مُميتة في ثقافتها الأصلية).
كانت مرحلة ما بعد التحضُّر الإسلامي عنصرًا فاعلًا فى تكوين كل تلك الأفكار الميِّتة والمُميتة وكانت النواة في زعزعة المجتمع، لكن ذلك الترابط بين الأفكار الميِّتة والمميتة أوجد تساؤلًا جديدًا: لمَ ذهبت طائفةٌ من المثقفين إلى تلك الأفكار (المميتة) تحديدًا دونًا عن باقي أفكار الثقافات الأخرى؟ يشير الكاتب هنا إلى أن تشكيل الوعي الجمعي في الأوقات المظلمة هو ما يدفع المثقفين إلى تلك الأفكار، بحيث يُصبح عقل المثقف في المجتمع الإسلامي لا يرى إلا تلك الخيارات فقط ويُعمى أو يتعامى عمَّا سواها.
اليابان كمثال، إلى وقتٍ قريب كانت ممتلئة بالأفكار الميِّتة وكانت تسابقنا في سباق التخلُّف الحضاري، وكانت تنهل من فكر الحضارة الغربية كما ننهل إلى الآن، لكنها أصبحت ثالث قوة عالمية خلال سنوات معدودة، حيث لم تصرفها الأفكار الميِّتة عن ثقافتها بالكلية، كما ينادي البعض في الواقع الإسلامي، ولم يرضخوا لطغيانها على طبقات المثقفين وصناع القرار لجلب الأفكار المميتة فقط من أوروبا! بل جاءت بأفكار التقدم الغربي وطوعتها بما يلائم ثقافتها الأصيلة والتقاليد العريقة للمجتمع الياباني، فكوَّنت مزيجًا أصبح لبنة في الصرح الذي وصلت إليه اليوم.
الفكرة من كتاب مشكلات الأفكار في العالم الإسلامي
يمرُّ الواقع الإسلامي بلحظات صعبة فارقة، من شدة التخلُّف الحضاري لا يستطيع المسلمون تحديد من أين يبدأ الطريق: هل من خلال عالم الأفكار، أم عالم الأشياء، أم عالم الأشخاص؟
يناقش الكاتب المشكلات الفكرية التي يعانيها العالم الإسلامي، ويحلِّل الواقع معتمدًا على التاريخ وطامحًا في المستقبل، يحاول أن يبيِّن السبيل للنخب الفكرية والمثقفين حتى يضعوا أيديهم على لُب المشكلة، كما يبين بعض المفاهيم الفكرية الخاصة التي استحدثها من أجل تبسيط المكونات الاجتماعية.
مؤلف كتاب مشكلات الأفكار في العالم الإسلامي
مالك بن نبي: مفكر إسلامي جزائري، ولد في الأول من يناير عام 1905 في قسنطينة بالجزائر، وتابع دراساته القرآنية ودرس بالمدرسة الفرنسية وتخرج عام 1925، سافر بعدها إلى فرنسا وانغمس في دراسة الحياة الفكرية، انتقل إلى القاهرة هاربًا من فرنسا بعد إعلان الثورة الجزائرية، وعاد إلى الجزائر بعد الاستقلال وتم تعيينه مدير عام التعليم العالي، وانشغل بإلقاء المحاضرات والتأليف والبحث، وتوفي في الواحد والثلاثين من أكتوبر عام 1973.
من أشهر مؤلفاته: “القابلية للاستعمار”، و”شروط النهضة”، و”مشكلة الثقافة”، و”الصراع الفكري في البلاد المستعمرة”.