هل فاعلية الأفكار دليل على أصالتها؟
هل فاعلية الأفكار دليل على أصالتها؟
لا ينبغي أن تكون الفكرة الأصيلة فعَّالة لتكتسب أصالتها أو تحافظ عليها، ويوجد فرقٌ بين فاعلية الأفكار ومدى نجاحها على المستوى العملي التطبيقي، وبين صحة الأفكار من عدمها، فالأفكار الصحيحة هي صحيحة أبد الدهر ولا يمكن أن تصبح خاطئة مُطلقًا، أما الفاعلية فتتحدَّد بالظروف المكانية والزمانية المحيطة بتلك الأفكار، إذًا كل فكرة فعالة تحتمل أن تكون إما صحيحة وإما خاطئة، في حين كل فكرة صحيحة بغض النظر عن فاعليتها فهي ستظل صحيحة مُطلقًا.
لكن يبقى السؤال لماذا قد تكون الفكرة الخاطئة فعالة رغم خطئها؟ وكيف استقبلها الأشخاص؟ لأن خطأ الفكرة الفعالة قد لا يتبيَّن بظهور الفكرة الأولى، وإنما تكون مُغلَّفة بغلاف وهمي من الصِحَّة يُبهر الناس في البدايات، ومع الوقت بعد أن يزول ذلك الغلاف ستُغني فاعلية الفكرة عن معايير الصحة والبطلان تمامًا.
لكن مفهوم “أصالة الأفكار” يحتاج إلى شيء من التوضيح، فماذا نعني بالأصالة عامةً؟
الأصالة توجد في ذوات البشر الذين تجمعهم الفكرة الأصيلة أو الشيء الأصيل، فهي خارج مظلَّة التاريخ والزمن رغم أن الفكرة الأصيلة تبدأ بتاريخ معيَّن إلا أن ذلك التاريخ هو تاريخ وجود فقط، ثم تصير خارج التقييم الزمني لأنها تُحفَر وتُنقَش في الصدور، وتنشأ تلك الفكرة الأصيلة لتبني شيئًا أو تهدم آخر، لتُقيم منهجًا وتعصف بآخر، لكن بمجرد تمكُّنها من ذوات الأشخاص تصبح بمعزل وتضحى مرجعية يرجع إليها الأشخاص وضمائرهم بوعيهم ولا وعيهم.
وقد تم خداع الشباب المسلم بذلك الخلط بين مفهومي الأصالة والفاعلية، فأصبح لا يشغلهم إلا الإحصائيات التقدُّمية والتطوُّر العلمي والتقني والصناعي، فانبهروا وغلَّبوا حاسة البصر على البصيرة وأخذوا يدلِّلون على خطأ أفكارنا وصحة أفكار المتقدمين منخدعين بتلك المغالطات! فالمجتمع الإسلامي لن ينهض ولن ينتصر فى أي صراع فكري إلا بعد أن يستعيد الفاعلية الخاصة لأفكاره الأصيلة الذاتية حتى يُعيد إليه شبابه المنجذب إلى المعسكر الآخر.
الفكرة من كتاب مشكلات الأفكار في العالم الإسلامي
يمرُّ الواقع الإسلامي بلحظات صعبة فارقة، من شدة التخلُّف الحضاري لا يستطيع المسلمون تحديد من أين يبدأ الطريق: هل من خلال عالم الأفكار، أم عالم الأشياء، أم عالم الأشخاص؟
يناقش الكاتب المشكلات الفكرية التي يعانيها العالم الإسلامي، ويحلِّل الواقع معتمدًا على التاريخ وطامحًا في المستقبل، يحاول أن يبيِّن السبيل للنخب الفكرية والمثقفين حتى يضعوا أيديهم على لُب المشكلة، كما يبين بعض المفاهيم الفكرية الخاصة التي استحدثها من أجل تبسيط المكونات الاجتماعية.
مؤلف كتاب مشكلات الأفكار في العالم الإسلامي
مالك بن نبي: مفكر إسلامي جزائري، ولد في الأول من يناير عام 1905 في قسنطينة بالجزائر، وتابع دراساته القرآنية ودرس بالمدرسة الفرنسية وتخرج عام 1925، سافر بعدها إلى فرنسا وانغمس في دراسة الحياة الفكرية، انتقل إلى القاهرة هاربًا من فرنسا بعد إعلان الثورة الجزائرية، وعاد إلى الجزائر بعد الاستقلال وتم تعيينه مدير عام التعليم العالي، وانشغل بإلقاء المحاضرات والتأليف والبحث، وتوفي في الواحد والثلاثين من أكتوبر عام 1973.
من أشهر مؤلفاته: “القابلية للاستعمار”، و”شروط النهضة”، و”مشكلة الثقافة”، و”الصراع الفكري في البلاد المستعمرة”.