حياة وموت!
حياة وموت!
بدأ الزوجان يفكِّران في الإنجاب ويشعران أن الحياة الحقيقية ليست في تجنُّب المعاناة، فالسمة الأساسية للكائن الحي هي الكفاح، فبعد سنوات طويلة للعيش مع الموت توصَّل بول إلى فهم أن أسهل طريقة للموت ليست بالضرورة هي الأفضل، فالأفضل هو مواصلة الحياة بدلًا من الاستسلام للموت.
وفي وقت تضارب أفكاره: من سأكون في المستقبل؟ وإلى متى؟ شخصًا عاجزًا، أم عالمًا، أم مُعلِّمًا؟ أم جرَّاحًا؟ أم والدًا يرعى طفلته؟ فمن يمكنني أن أكون؟ لحظة! أليس المرض الذي لا يُرجَى شفاؤه هو الهدية المُثلى لشاب رغب دائمًا في فهم الموت؟ فما أفضل طريقة لفهمه من معايشته مباشرةً؟ لكن ما أصعب الوضع.. راح بول يبحث عن أي شيء يفهم عن طريقه ماهية الموت، لإيجاد هويته النفسية، فالخبرة الطبيَّة أبعدته عن مجاله الأدبي والأكاديمي، ولوعي تلك الخبرة لا بدَّ من صياغتها في شكل عمل أدبي، نعم اكتساب الخبرة شيء، والتوقُّف من أجل تأمُّلها والكتابة عنها هو الوعي بتلك الخبرة!
هكذا كان الأدب بمثابة الذي أعاد الحياة إلى بول في تلك الفترة، نعم فشبح الموت يطمس مغزى الأفعال، ولكن لا بدَّ من الاستمرار، عاد مرَّة أخرى إلى غرف العمليات ولكن كانت الممارسة شديدة الصعوبة، ولكن كانت الجملة التي تتردَّد على عقل بول “عليك أن تقرر ما هو أهم بالنسبة إليك”، وفي الوقت نفسه لم يكن يعرف ماذا يريد تحديدًا.
إن الطبيب ليس من واجبه أن يحول دون موت المرضى، أو أن يعيد حياتهم إلى سابق عهدهم، بل أن يحتضن المريض وعائلته التي تفكَّكت حياتهم، وها هي “كادي” ابنته بين يديه التي لم تكن بعد قادرة على حمل الأوزان، لكنَّها ملأت البيت بالحيوية، وبدأت تزهر يومًا بعد يوم، فالوقت الآن سلاح ذو حدين، فها هي ابنته تجلس بين ذراعيه يغني لها وتبتسم له، وها هو الموت يدنو منه.
الفكرة من كتاب عندما تتحول الأنفاس إلى هواء
ما الذي يجعل للحياة مغزى وجدوى، إذا كانت جميع المخلوقات ستُنفى في النهاية؟ ولماذا يصبح الإنسان مُجرد اسم حين يتذوَّق الموت؟ وما قبل الموت.. المرض، الألم، الحُزن..
في هذا الكتاب سيرة ذاتية لطبيب شُخِّص بسرطان الرئة وصار مُعرَّضًا للموت، بعد أن كان يُعالِج الذين يصارعون الموت، ويمر بمراحل تحوُّل الطبيب من طالب طب ساذج أسير -على حد تعبيره- إلى طبيب، فيصير جرَّاح أعصاب يتعامل مع المخ، وأبًا وزوجًا يتعامل مع الحياة.
مؤلف كتاب عندما تتحول الأنفاس إلى هواء
بول كولانثي Paul Kalanithi: جرَّاح أعصاب وكاتب، وُلد عام 1977، تخرج في جامعة ستانفورد بدرجة البكالوريوس في علم الأحياء البشرية، وبالماجستير في الأدب الإنجليزي، ثم حصل على درجة الماجستير في تاريخ وفلسفة العلوم والطب من جامعة كامبريدج، ثم تخرج بتقدير امتياز في كلية الطب بجامعة ييل.
وفاز بجائزة الأكاديمية الأمريكية لجراحة الأعصاب وهي أعلى جائزة في ذلك المجال، ثم عاد إلى ستانفورد للتدريب على جراحة الأعصاب وللحصول على زمالة ما بعد الدكتوراه في علم الأعصاب، ألَّف أكثر من عشرين منشورًا علميًّا وحصل على أعلى جائزة للأكاديمية الأمريكية للجراحة العصبية.
توفي بول في عام 2015 بعد تشخيصه بسرطان الرئة، وكان ذلك سبب تأليف كتابه “عندما تتحوَّل الأنفاس إلى هواء”.