ما غاية الطب؟
ما غاية الطب؟
عند التحاقك بكلية الطب قد تظن أن أوَّل مرة التي تشق فيها جسد شخص ميِّت سينتابك شعور غريب، لكن العجيب في هذا هو أن الأمر بدا عاديًّا جدًّا بالنسبة إلى بول، كما تضفي الأضواء الساطعة والطاولات المعدنية والأساتذة ذوو رابطات العنق على المشهد جوًّا ملائمًا لفصل مشاعرك الإنسانية عن ممارستك الطبيَّة، ولا يمكن أن تنسى التجرِبة الأولى لتشريح الجثَّة، فشقُّك للجلد من مؤخرة العنق وصولًا إلى أسفل الظهر كأنك تفتح سحَّابًا من فرط سلاسة أدائه وحدِّية المشرط في الجلد.
وعلى الرغم من ممارستك تلك ففجأة ينتابك شعور الخجل والانفعال معًا، حيث يعد تشريح الجثث ممارسة طبيَّة فيها تجاوز على قدسية الجسد، مما يثير بداخلك مشاعر متضاربة، كخليط من الاشمئزاز والنشوة والغثيان والإحباط والرعب، ثم تتحوَّل تلك المشاعر تدريجيًّا إلى شعور بملل الممارسة الأكاديمية.
وكان بول يتنقَّل بين دراسة الأدب ودراسة الطب لمحاولة فهم تفاصيل الموت بطريقة أفضل، حتى تخرَّج وما زال الموت مُبهمًا بالنسبة إليه، فدراسة الطب تُفسِّر الموت من الناحيتين البيولوجية والتجريبية، لكن في الوقت نفسه الموت أمر شخصي، وهو ما يجعله صعبًا، فهو شيء شخصي للغاية لكنه في الوقت نفسه يحدث للجميع!
هكذا كانت الدراسة في مجال الطب بابًا جديدًا لإبهامٍ أكبر وغموض أشد، فنحو 99% من الناس يختارون وظائفهم لتناسب وضعهم الاجتماعي بالمقام الأوَّل لا برسالتهم في الحياة، ولكن ما زال قرار بول في اختيار تخصُّص جراحة الأعصاب مُتأصِّلًا في أعماقه، وها هو على حافَّة التخرُّج، وقد تزوَّج بـ”لوسي” زميلته الطبيبة المخصصة في الطب الباطني، وذهبا معًا إلى كاليفورنيا لبدء فترة الإقامة الخاصة بهما لكونهما طبيبين.
الفكرة من كتاب عندما تتحول الأنفاس إلى هواء
ما الذي يجعل للحياة مغزى وجدوى، إذا كانت جميع المخلوقات ستُنفى في النهاية؟ ولماذا يصبح الإنسان مُجرد اسم حين يتذوَّق الموت؟ وما قبل الموت.. المرض، الألم، الحُزن..
في هذا الكتاب سيرة ذاتية لطبيب شُخِّص بسرطان الرئة وصار مُعرَّضًا للموت، بعد أن كان يُعالِج الذين يصارعون الموت، ويمر بمراحل تحوُّل الطبيب من طالب طب ساذج أسير -على حد تعبيره- إلى طبيب، فيصير جرَّاح أعصاب يتعامل مع المخ، وأبًا وزوجًا يتعامل مع الحياة.
مؤلف كتاب عندما تتحول الأنفاس إلى هواء
بول كولانثي Paul Kalanithi: جرَّاح أعصاب وكاتب، وُلد عام 1977، تخرج في جامعة ستانفورد بدرجة البكالوريوس في علم الأحياء البشرية، وبالماجستير في الأدب الإنجليزي، ثم حصل على درجة الماجستير في تاريخ وفلسفة العلوم والطب من جامعة كامبريدج، ثم تخرج بتقدير امتياز في كلية الطب بجامعة ييل.
وفاز بجائزة الأكاديمية الأمريكية لجراحة الأعصاب وهي أعلى جائزة في ذلك المجال، ثم عاد إلى ستانفورد للتدريب على جراحة الأعصاب وللحصول على زمالة ما بعد الدكتوراه في علم الأعصاب، ألَّف أكثر من عشرين منشورًا علميًّا وحصل على أعلى جائزة للأكاديمية الأمريكية للجراحة العصبية.
توفي بول في عام 2015 بعد تشخيصه بسرطان الرئة، وكان ذلك سبب تأليف كتابه “عندما تتحوَّل الأنفاس إلى هواء”.