قانون التغيير في التاريخ
قانون التغيير في التاريخ
الاستعمار حينما جاء إنما جاء ليفتِّت شبكة العلاقات الاجتماعية السائدة ترجمةً لسياسة “فرِّق تسُد”؛ فتحرُّكاته كانت مبنية بشكل دقيق على طبيعة الشبكات الاجتماعية المكوَّنة بين الجهات الوطنية، وعناصر القوة في هذه الشبكة التي تمثَّلت في بعض الوقت في القيادات الشعبية والحزبية، فدرَس رغباتهم ونفسياتهم وألهاهم بألعابه التي تبعدهم عن حركة النضال الوطني، وتضعف شبكة العلاقات الاجتماعية.
لقد أصاب الاستعمار عقول المسلمين فجعلهم يستخفُّون بقوة أنفسهم، وأهمية كل فرد في شبكة علاقات المجتمع، وقدرتهم على تغيير الواقع، إذ إنهم جهلوا حقيقة قدرة حبة الرمل على تعطيل محرك! فاستصغروا قدرتهم على محاربة الاستعمار كما تهادنوا في التعاون معه، وهذه الحقيقة التي لم تدركها المجتمعات المستعمرة في البلاد الإسلامية، فنجح الاستعمار في زيادة مساحة الفراغ الاجتماعي، أدركها أصحاب الفكرة الشيوعية في الاتحاد السوفييتي، فكانوا دائمًا ما يقضون على كل من تسوِّل له نفسه العبث بشبكة العلاقات الاجتماعية بالنفي في هواء سيبيريا.
إن الذين لا يدركون دور حبة الرمل في تعطيل المحرك، يعملون باستمرار على إلغاء الحس النقدي لدى أفراد المجتمع بتفاصيل الحياة اليومية وبسير دقائقها خلافًا للمُفترض، كما يلغون قدرة الأفراد على اكتشاف الخلل والدهشة؛ ويضرب مالك مثلًا بتصوُّر هؤلاء أن توقُّف إرسال البريد أو وصوله أمر طبيعي يحدث مع كبار الناس، فما بالك بصغارهم! فعليك الرضوخ والسكوت.
الفكرة من كتاب ميلاد مجتمع.. شبكة العلاقات الاجتماعية
يتناول هذا الكتاب فكرة ميلاد المجتمعات والظروف التي تنمو وتتطوَّر فيها إلى أن تصل إلى مرحلة الشيخوخة، وكعادة مؤلِّفه يمسك بزمام مصطلحاته ومفاهيمه فيُعِدُّ منها نسيجًا تحليليًّا يفكِّك من خلاله أبعاد موضوعه، وتكمن أهمية هذا الكتاب في اقترابه بصورة عملية من واقع مجتمعاتنا في الوقت الراهن، كما يبصِّرنا بالصيرورة التاريخية للمجتمعات وشروط بعثها انطلاقًا من حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم): “لا يصلح حال آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها”.
مؤلف كتاب ميلاد مجتمع.. شبكة العلاقات الاجتماعية
مالك بن نبي: مفكر إسلامي جزائري، ولد في الـ28 من يناير عام 1905، تتميَّز سلسلة كتاباته عن الحضارة ومشكلاتها، بعمق تحليلها الاجتماعي والنفسي الذي يجمع بين استيعاب ما توصَّل إليه الفكر الغربي من تفسير الحضارة وعوامل قيامها وسقوطها وبين العقلية الإسلامية التي تستمدُّ نبعها الصافي من الأصول الإسلامية الأساسية.
تُوفِّي مالك في الـ31 من أكتوبر 1973 بعد نضال فكري أنتج خلاله ما يناهز ثمانين مؤلفًا بالعربية والفرنسية؛ منها: “الفكرة الأفريقية الآسيوية”، و”تأمُّلات في المجتمع العربي”، و”فكرة كومنولث إسلامي”، و”إنتاج المستشرقين وأثره في الفكر الإسلامي”، و”المسلم في علم الاقتصاد”.