الدين وعلم نفس المجتمع
الدين وعلم نفس المجتمع
العلاقة الروحية بين الله والإنسان هي التي تلد العلاقات الاجتماعية والقيم الأخلاقية التي تربط الإنسان بأخيه الإنسان وبالمجتمع، فالدين وفق هذا المعنى يخلق شبكة اجتماعية تزداد فيها قيمة الفرد؛ وهو وحده الذي يمكن أن يصل بشبكة العلاقات إلى درجة الكمال أو حالة الصفر أو الفراغ الاجتماعي، ويوضح ابن نبي كيف كان بين المجتمع المسلم الأول الذي ربَّاه القرآن الكريم هذا الاتصال بين العنصرين الروحي والاجتماعي؛ فأخذوا يتحمَّلون الأذى في مرحلة الاستضعاف في مكة، ويبذلون الغالي والنفيس في سبيل بناء الحضارة ونشر رسالة الإسلام.
والدين هو الذي يهيِّئ الإنسان لدخول مرحلة الحضارة؛ أي إنه يتدخَّل في عملية بناء الذات (الأنا)، ولهذا نجد البعض يُعرِّف الإنسان على أنه حيوان ديني، فهو يولد على الفطرة، وتتشكَّل شخصيَّته بفعل تأثُّره بالفكرة الدينية السائدة في مجتمعه، وبلغة علم النفس تشكِّل الفكرة الدينية الأنا الأعلى للفرد بأن تحضَّه على اتباع المُثُل العليا والأخلاق الحميدة وتجعل الذات (الأنا) تحت مراقبة دائمة من هذه المُثل.
وتأثير الفكرة الدينية ليس حتميًّا في الزمان والمكان، بل هو رهن بعض الشروط، ومنها عوامل الجغرافيا الإنسانية؛ فالبوذية انتقلت من مسقط رأسها في الهند إلى الصين لتغرس تعاليمها، وتجد الشروط الجغرافية الملائمة! كذلك فعلت المسيحية حينما تركت أرض مولدها فلسطين لتبحث عن الظروف الموائمة في أوروبا الغربية؛ فجاء الواقع الغربي تجسيدًا للفكرة المسيحية، ولشبكة العلاقات التي ظهرت في هذه البقعة الجغرافية، فالظاهرة الأوروبية في جوهرها وما نتج عنها من أحداث تعدُّ ظاهرة مسيحية؛ حيث انطلقت الحروب الصليبية من نفس الدافع الذي انطلقت منه ثورات الإصلاح الديني 1848.
الفكرة من كتاب ميلاد مجتمع.. شبكة العلاقات الاجتماعية
يتناول هذا الكتاب فكرة ميلاد المجتمعات والظروف التي تنمو وتتطوَّر فيها إلى أن تصل إلى مرحلة الشيخوخة، وكعادة مؤلِّفه يمسك بزمام مصطلحاته ومفاهيمه فيُعِدُّ منها نسيجًا تحليليًّا يفكِّك من خلاله أبعاد موضوعه، وتكمن أهمية هذا الكتاب في اقترابه بصورة عملية من واقع مجتمعاتنا في الوقت الراهن، كما يبصِّرنا بالصيرورة التاريخية للمجتمعات وشروط بعثها انطلاقًا من حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم): “لا يصلح حال آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها”.
مؤلف كتاب ميلاد مجتمع.. شبكة العلاقات الاجتماعية
مالك بن نبي: مفكر إسلامي جزائري، ولد في الـ28 من يناير عام 1905، تتميَّز سلسلة كتاباته عن الحضارة ومشكلاتها، بعمق تحليلها الاجتماعي والنفسي الذي يجمع بين استيعاب ما توصَّل إليه الفكر الغربي من تفسير الحضارة وعوامل قيامها وسقوطها وبين العقلية الإسلامية التي تستمدُّ نبعها الصافي من الأصول الإسلامية الأساسية.
تُوفِّي مالك في الـ31 من أكتوبر 1973 بعد نضال فكري أنتج خلاله ما يناهز ثمانين مؤلفًا بالعربية والفرنسية؛ منها: “الفكرة الأفريقية الآسيوية”، و”تأمُّلات في المجتمع العربي”، و”فكرة كومنولث إسلامي”، و”إنتاج المستشرقين وأثره في الفكر الإسلامي”، و”المسلم في علم الاقتصاد”.