انبعاث النور ودعوة التوحيد
انبعاث النور ودعوة التوحيد
إن التجرِبة التي عاشها النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) من تأمل وخلوة ورعي وما مر بحياته الشريفة كانت تربية ربانية وإعدادًا روحيًّا لحمل أقدس رسالة عرفتها البشرية، ففي السابع عشر من شهر رمضان إذ كان النبي (صلى الله عليه وسلم) -وقد بلغ الأربعين عامًا- مستغرقًا في عبادته في غار حراء حين بدأ الوحي، ثم فتر الوحي عنه -أي أبطأ- فاشتد حزن النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم) شوقًا إلى النداء الإلهي.
ونزل عليه من القرآن بعد “فترة الوحي” الآيات الأولى من سورة المدثر تكليفًا له (صلى الله عليه وسلم) بالإنذار ودعوة قومه، كان عليه أن يبلغ كلمة التوحيد إلى قوم تأصلت الوثنية في نفوسهم وعاداتهم وما كان يملك إلا سلاح الإيمان المطلق برسالته، فكانت الدعوة على مرحلتين؛ أولاهما مرحلة الكتمان التي استمرت ثلاث سنوات، وكانت استجابًة للأمر الإلهي ﴿قُمْ فَأَنذِرْ﴾ بمطلق التبليغ، كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يدعو من يطمئن إليه ويثق به من أهله وخلانه، وفي هذه المرحلة فُرض أصل الصلاة، وكان الصحابة إذا ما أرادوا الصلاة يستخفون في شعاب مكة.
والمرحلة الثانية هي مرحلة الجهر، فقد تعيَّن على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الجهر بالرسالة بنص القرآن: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾،وقد قابلته قريش بالسخرية والاستهزاء ولم تخرج مقاومتها عن هذا النمط أول الأمر تهوينًا من أمر الدعوة، ولكن ما إن وضح لهم موقف الإسلام من أوثانهم وجاهليتهم إلا وداهمهم الخطر، فتدرَّجوا في المقاومة بدايةً من أبي طالب للشكوى وجربوا معه كل وسائل الضغط، إذ أحست قريش أن كل هذه المحاولات دون جدوى، ولجأت إلى قهر وتعذيب المستضعفين والتنكيل بالمؤمنين بالرسالة الإلهية.
لقد شقَّ على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ما كان يلقاه أصحابه من آلام من جراء تمسكهم بالدعوة، وبعد أن وسعت قريش دائرة الأذى أمرهم النبي الكريم أن يخرجوا إلى أرض الحبشة حمايةً للدين وحمايةً للنفس، وآثر هو (صلى الله عليه وسلم) البقاء بمكة للدعوة رغم كل المخاطر والصعاب.
الفكرة من كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم: حياته وتطور الدعوة الإسلامية في عصره
ساد الظلام العالم، وتهيَّأت الأرض لاستقبال عطايا السماء والمنحة الإلهية بمنهج رباني ينير للبشرية كافة طريقها ويطمس الجاهلية، ولما كان الأمر عسيرًا على البشرية أن تتغيَّر في يوم وليلة، مرَّ التغيير بمحطات كبرى وصعوبات.
يقدِّم هذا الكتاب السيرة النبوية المطهرة، مستعرضًا أهم مسارات وسُبل الدعوة الإسلامية وما واجهها من صعاب في كل مراحلها، منذ أن كان العالم مظلمًا يسوده الجهل بالله وبالتوحيد الحق إلى أن أشرقت الأرض بنور ربها واستقرت الرسالة الإلهية وكُتب لها الخلود.
مؤلف كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم: حياته وتطور الدعوة الإسلامية في عصره
عبد الرحمن أحمد سالم: مؤلف وأستاذ التاريخ الإسلامي والحضارة بكلية دار العلوم، تخرج في جامعة القاهرة عام 1967 وكُلِّف معيدًا بالقسم نفسه، وحصل على درجة الماجستير عام 1974 في موضوع “التاريخ السياسي للمعتزلة حتى نهاية القرن الثالث الهجري”، ثم أوفد في بعثة دراسية إلى إنجلترا عام 1976 وحصل على الدكتوراه من جامعة برمنجهام عام 1983.
نُشر له: “المسلمون والروم في عصر النبوة”، ويتناول العلاقات الإسلامية البيزنطية ودوافع وأسباب الصراع بين الكيان الإسلامي الوليد والمملكة البيزنطية، وكتاب “الفكر السياسي الإسلامي: قراءة عصرية”، ويناقش إمكانية ترجمة الفكر السياسي في الإسلام إلى نُظم سياسية ومدى صلاحيته.