هل يمكن تخيُّل الحياة من دون الفيسبوك؟
هل يمكن تخيُّل الحياة من دون الفيسبوك؟
كان لألبرت أينشتاين جملة فاصلة في أمر التكنولوجيا، وهي: “لقد أصبح من الواضح جدًّا أن تكنولوجيتنا قد تخطت إنسانيَّتنا”، لكن السؤال المُهيمن هنا: هل حقًّا يُمكن أن نحيا دون الفيسبوك؟ وربما لم يخطر بأذهاننا، لأننا ولدنا في عصر التكنولوجيا المُهيمنة ولأنها عادة حياتية ثابتة، بل استسلمنا تمامًا لفكرة وجودها وانغمسنا حتى نسينا حياتنا الواقعية كما جعلنا حياتنا معيارها صورة الفيسبوك التي نُصدِّرها عنا، فأصبح الفيسبوك جزءًا من مقومات الشخص الطبيعي وليس غريبًا ألا يتخيَّل الغالبية من مجتمعاتنا أن يحيا بلا فيسبوك.
ومن الغريب أيضًا أن يُعرِّف المجتمع “الفيسبوك” بأنه مؤسسة اجتماعية تصل الناس مع الأصدقاء والآخرين من مجتمعات مختلفة وحول العالم بشكل عام يُدعى “موقع تواصل اجتماعي”، كما يدعي الأشخاص الذين لا يتخيَّلون حياتهم بلا فيسبوك أنه صورة من صور التقدم، ويدعي الجميع أن الفيسبوك وسيلة مساعدة للنشاط الاجتماعي للفرد، لكنه أصبح بديلًا عن التفاعل الاجتماعي الحقيقي في الواقع والحياة كَكُل، ويرى الكثيرون أن حياتنا ستصبح بدائية ومُعادية للتقدُّم الحالي إن أصبحت بلا فيسبوك، بل وصفها كثير من الصحفيين بأنها أشبه بمغادرة المدينة والانتقال إلى قرية نائية منفصلة عن العالم!
ومن المُنصف أن نذكر أن للفيسبوك نقاطًا إيجابية في حياتنا، ومنها أنه فتح العالم بعضه على بعض بشكل غير مسبوق لنا، كما حافظ على التواصل مع أصدقاء بعيدين عنا، ووسيلة ترفيه لملايين من البشر على الكوكب، وأيضًا خلق فرص عمل لكثيرين، كما شارك في كثير من القضايا المجتمعية والسياسية، وعزَّز ثقة الكثيرين والتعبير عن ذواتهم عليه، لكن السطوة التي بات يمارسها هذا الموقع على حياتنا أصبحت تحتاج منا إلى وقفة ونظرة نقدية، فقد أصبح “الفيسبوك” كارثة بطيئة في حياتنا وعلاقاتنا الإنسانية على الرغم من منافعه، إذ إنه يشجع على العزلة بعد أن حوَّلنا إلى رموز زرقاء وصور على الشاشة ومجرد جموع متكررة، وأصبحنا مستهلكين بشكل كبير، والخلاصة أن “الفيسبوك” يعمل عكس الشائع عنه، على الانفصال الاجتماعي للفرد ويحوله إلى صورة على موقع أزرق.
الفكرة من كتاب العيش كصورة.. كيف يجعلنا الفايسبوك أكثر تعاسة
كل ما أنجبته التكنولوجيا الحديثة في حياتنا كان سلاحًا ذا حدين، لكننا لم نستقبل هذه الأسلحة بواقعية، بل انغمسنا في مميزاتها واعتصرتنا عيوبها، لذا وجب علينا أن نقف وقفة أمام هذه الأسلحة، ومن توابع التكنولوجيا موقع التواصل الاجتماعي “الفيسبوك” الذي أصبح الجميع لديه حساب خاص عليه، ويجعل هذا الحساب يتحكَّم به وباهتماماته، يرى العالم والعلاقات من خلاله فقط، ألم تتساءل كيف جعلنا الفيسبوك؟ وكيف جعل العالم أمامنا؟
مؤلف كتاب العيش كصورة.. كيف يجعلنا الفايسبوك أكثر تعاسة
طوني عادل صغبيني: مواليد زحلة، لبنان، حائز على ماستر في العلوم السياسية عن أزمة الطاقة وعالم ما بعد النفط، ناشط مدني وبيئي، باحث له دراسات منشورة في عدة جرائد ومجلات لبنانية.
وله مؤلفات عديدة منها: الهروب من السيستيم، لعنة الألفية لماذا يفشل النشاط التغييري.