المعارضة وأخطاء النسخ
المعارضة وأخطاء النسخ
كانت صعوبة قراءة الخط العربي ومشكلاته أحد المعوِّقات لصحَّة النسخ وأمانته، فقد كانت تؤدي إلى تفاسير خاطئة ومغايرة لما أراده الكاتب الأصلي، لذلك فقد كان العلماء يعرفون أن الناسخ الذي يقع في خطأ يعتمد على الرواية المكتوبة لا الشفوية، لأنه لا يمكن حدوث هذه الأخطاء من الرواية المسموعة، وقد كانوا يواجهون صعوبة أيضًا في نقل الأصوات البربرية بحروف عربية تقابلها، وقد حاول ابن خلدون تسهيل الأمر بوضع علامات مثل القرآن الكريم، مثل وضع حرف زاي صغير تحت حرف الصاد في كلمة الصراط.
وكانت هناك بعض الأخطاء في حالات خاصَّة للمخطوطات مثل الترجمة وكتب التاريخ، فقد كانت الترجمة في بعض الأحيان تُفقِد الشعر معناه وجماله، وتغيير بعض الأفكار، لذلك حاول العلماء المسلمون البحث في موضوع الترجمة الحرفية والترجمة التي تحمل المعنى الصحيح، وفي القرن التاسع الميلادي بدأ نقل التراجم نقلًا صحيحًا، وذلك ما سبَّب أيضًا وجود اختلافات في متون التوراة المختلفة عند لاهوتيي اليونان.
ومن أسباب الأخطاء أيضًا اختلاف القراءات التي كانت لها أسباب كثيرة؛ مثل موت المؤلف قبل الانتهاء من العمل أو تركه بياضًا في الصفحة مما يتيح للناس اختيار عناوين؛ مما كان له أثر كبير في انتشار الكتب بنسخ كثيرة تختلف كلٌّ عن الأخرى، أو السبب الأكبر أن المؤلف نفسه قد يلجأ أحيانًا إلى تصحيح بعض أخطائه بعد شهرة الكتاب وانتشاره، مما يوقع الناس في الحيرة والخطأ في النسخ، أو محاولة جمع أكثر من نسخة في نسخة واحدة، لذلك كان البعض ينبِّه العلماء الذين سيقرؤون ترجمته أنهم قد يعثرون على نسخ مختلفة.
لذلك كانت الطريقة الوحيدة للتحقُّق من صحَّة المخطوطة هي معارضتها بمخطوطة أخرى من نوعها، وهو أمر توصَّل إليه الغرب في القرن التاسع، أما العلماء المسلمون فكانوا يتبعون هذا النهج منذ عهد النبي (صلى الله عليه وسلم)، ويقال إن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يعارض مرة في السنة السور التي نزلت عليه بمساعدة جبريل (عليه السلام)، ويعدُّ العلماء أن معارضة النص جاءت لمعرفة مختلف القراءات لا وسيلة للتحقُّق من النص الصحيح.
الفكرة من كتاب مناهج العلماء المسلمين في البحث العلمي
كيف نظر العالِم المسلم إلى المشكلات المهمة المتصلة بالبحث العلمي؟ وهل كان لدى العلماء العرب منهج علمي واضح الأصول؟
إن قضية أصالة المنهج العلمي للمسلمين تعدُّ من القضايا التي ثار حولها جدل كبير بين ادعاءات بالافتقار أو النقل، ومن هُنا كان روزنتال يلوم على المستشرقين مقاييسهم الصارمة التي يضعونها عند تقديرهم للبحث العلمي عند المسلمين، متغافلين عن اختلاف المعايير الحضارية والتقنية التي ساعدت الغرب، ولم تكنْ قد وصلت بعد إلى الشرق، فكيف نزن بمكيالين مختلفين إذًا؟!
مؤلف كتاب مناهج العلماء المسلمين في البحث العلمي
فرانتز روزنتال Franz Rosenthal: مستشرق ألماني أنصف الفكر الإسلامي وقدَّره حق قدره، وعالم في الدراسات الإسلامية، ولد في برلين أغسطس عام 1914 وتوفِّي في أبريل 2003، درس الحضارات واللغات الشرقية وحصل بها على درجة الدكتوراه، ودرس اللغة العربية في جامعة بنسلفانيا، وشغل بها منصب أستاذ اللغات السامية في جامعة بيل.
ترجم وحقق مقدمة ابن خلدون، ويهتم بالحضارة الإسلامية، ومن مؤلفاته:
تاريخ الطبري.
علم التاريخ عند المسلمين.
مفهوم الحرية في الإسلام.
مفهوم المعرفة في الإسلام.