نتائج تلك الجائحة
نتائج تلك الجائحة
في عام 1352 ميلاديًّا كان الموت الأسود في نهايته، ولا يمكن التوصُّل إلى أعداد ضحاياه على نحو دقيق، وتم تقدير نسبة هؤلاء في كل أوروبا بما يتراوح بين 25% و45%، وادّعى الكثير أن ذلك الطاعون أفنى ثلث العالم، وكانت لتلك الخسائر السكانية نتائج سريعة؛ أولاها وأظهرها سلوك الناس وسيكولوجيتها، حيث أصيب الجميع بالصدمة، وتوقَّفت الحياة الطبيعية في بداية ذلك الوباء، حيث توقَّف الفلاحون عن حصاد زرعهم، وأغلق التجار محالهم، وترك معظم رجال الكنيسة عملهم، وبين كل تلك الاستجابات، كانت الاستجابة إلى إشباع اللذة، فالمشهد العام هو عشرة من الشباب يفرُّون من الموت الأسود بالانصراف إلى حكايات يتسم معظمها بالفجور والبعد عن الاحتشام من أجل الترويح عن أنفسهم في مقابل الخراب العام الذي أتى به الطاعون.
وبين تلك التغيُّرات السيكولوجية التي أتى بها الموت الأسود، كان الإحساس الجديد بالزمن خصوصًا بين البرجوازيين (وهو مذهب فلسفي يوناني ينصرف إلى الانهماك في الملذات الحسية) والتجار ورجال الكنيسة، فبالنسبة إلى هؤلاء الأواخر كان الزمن لانهائيًّا، فهو مملكة الرب، وكان بالنسبة إلى التجار يرتبط الزمان بالمكان، مثل عدد الأيام اللازمة لإقلاع سفينة من جنوة إلى بريجز، لكن غيّر الموت الأسود من كل ذلك، فقد أتى الإحساس بكل ما هو عاجل، واستطال يوم العمل، وصار العمل الليلي منتشرًا، والتجار يرغبون في المزيد من الربح، وطالب عمال النسيج بتحديد ساعات عملهم، واشتدت الصلة بين الساعات والقرع المتناغم لأجراس الكنائس عن ذي قبل، وأثرت تلك التغيرات السيكولوجية تأثيرً كبيرًا في الديانة المسيحية في أواخر العصور الوسطى، وزادت أهمية الخلاص عن ذي قبل، وأصبح رجال الدين مهددين بالزوال.
وكان العلماء المسلمون يضعون أمامهم ثلاثة مبادئ: أولها أنه ليس من واجب المؤمن الفرار من الطاعون، بل الأحق به أن يظل حيث هو ويتقبَّل مشيئة الله، وثانيها أن الموت بسبب الطاعون استشهاد أو رحمة للمؤمن، وثالثها إنكار الرأي الطبي الشائع بأن الطاعون ما هو إلا عدوى مميتة، لأن الله خير والمرض لا يتناسب مع وجوده الأسمى.
الفكرة من كتاب الموت الأسود
الموت الأسود أو الموت العظيم سلسلة من الطواعين الدُّملية والرئوية والتعفُّنية التي اجتاحت العالم الغربي، فقضت على ما يقرب من ربع سكانه إلى نصفهم، وكانت السبب في متغيِّرات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، وتملَّك الناس خوف وحيرة من وباء يصعب تفسيره، ولا يتوافر علاج ناجع له.. من مداخل متعدِّدة تاريخية واجتماعية وفلسفية وطبية، يتناول هذا الكتاب موضوع الموت الأسود.
مؤلف كتاب الموت الأسود
روبرت ستيفن جوتفريد Robert Steven Gottfried: كاتب، وكان منشئ منازل أمريكيًّا ومطورًا ورجل أعمال عقاريًّا.
له العديد من المؤلفات، ومنها:
– Doctors and Medicine in medieval England.
– Bury st. Edmunds and the urban crisis.