ميكانيكا الكم
ميكانيكا الكم
الثورة الحديثة لعلم الكونيات ترجع إلى شيئين: أولًا استحداث مبدأ النسبية وما ترتَّب عليه من تطوُّر، وميلاد ميكانيكا الكم، وقد استخدمت الفيزياء الكلاسيكية مفهومين متمايزين لوصف ظاهرتين طبيعيتين متمايزتين: الموجات والجسيمات، أما النظرية الكمية فترى أن كل كيان في العالم له طبيعة مزدوجة؛ كيف؟ تخبرنا أولًا هذه النظرية أن مفهومي الفيزياء الكلاسيكية لا ينطبقان على نحو منفصل على العالم الميكروسكوبي، فما كنا نعتقده سابقًا جسيمات من الممكن أحيانًا أن يسلك سلوك الموجات.
والظواهر التي كنا نخالها سابقًا من الموجات من الممكن أحيانًا أن تسلك سلوك الجسيمات، فالضوء مثلًا جسيم ويسلك سلوك الموجة، وبين ماكسويل أن الضوء يوصف رياضيًّا بواسطة معادلة تسمى “المعادلة الموجية”، وبذا تتنبَّأ هذه النظرية بالطبيعة الموجية للضوء، أما أعمال بلانك فبيَّنت أن الإشعاع المنبعث من الأجسام الساخنة يجعله سلوك الضوء يبدو كما لو أنه يتكوَّن من حزم منفصلة، أسماها “الكموم”، وكان أينشتاين يقول إن الضوء يتكوَّن في حقيقته من جسيمات، وهي ما صارت تعرف لاحقًا باسم “الفوتونات”.
وبهذا يكون الشيء ذاته كما قلنا يسلك سلوك الموجة والجسيم معًا، ولا نستطيع وصفه بدقة باستخدام أحد المفهومين فقط، وقد طبقت الفكرة القائلة إن الطاقة تأتي في حزمٍ منفصلة (أو كموم) بنجاح على أبسط الذرات وهو الهيدروجين، وعلى جوانب أخرى للفيزياء الذرية والنووية، وعرفنا وجود مستويات الطاقة المتمايزة داخل الذرات والجزئيات، وهو ما أدى دورًا مهمًّا في مجال التحليل الطيفي وما كانت له من أهمية حاسمة في اكتشاف هائل لتباعد المجرات.
وكان تقبل الطبيعة الكمية للطاقة (والضوء) بداية للثورة التي أسست ميكانيكا الكم، ورغم معرفتنا بالفوتونات فقد تعيَّن علينا الانتظار حتى التوفيق بين سلوك الضوء المزدوج، وسلوكه الموجي المعروف، وفي عشرينيات القرن العشرين ظهرت نظرية للفيزياء الكمية بناءً على الميكانيكا الموجية، وتصف سلوك الأنظمة كلها من خلال دالة موجية وفق معادلة سُمِّيت معادلة شرودنجر، تعتمد على الزمان والمكان، وتصف هذه الدالة “موجة احتمالية”، فليس بوسعنا التنبُّؤ بيقين بالموضع الذي سيكون فيه الجسم تحديدًا في أي زمن بعينه، بل احتمالية وجوده فحسب.
الفكرة من كتاب علم الكونيات: مقدمة قصيرة جدًّا
يعدُّ علم الكونيات هو العلم الذي يهتم بالدراسة العلمية لكل ما في الكون كبيرًا كان أم صغيرًا، بَدءًا من المجرات والنطاق الفلكي للنجوم وصولًا إلى العالم المجهري.
في هذا الكتاب يحاول بيتر كولز التعرض لهذا العلم تاريخيًّا؛ مبينًا كيف تطوَّر، وكيف جمع بين مفاهيم متعددة على مر مسيرته، وأهم إنجازاته وتأثيرها في فهمنا للكون، وعلى ما تلاها من نظريات، وكيف مهَّدت التحسينات التكنولوجية طرقًا جديدة في الاستكشاف.
مؤلف كتاب علم الكونيات: مقدمة قصيرة جدًّا
بيتر كولز Peter Coles: أستاذ الفيزياء الفلكية بجامعة نوتنجهام، ولد في 4 يونيو 1963 في نيوكاسل أبون تاين في المملكة المتحدة، وشارك في تأليف كتابين دراسيين عن علم الفلك وما يربو على مائة مقال فني متخصص عن مختلِف جوانب نظرية الانفجار العظيم، حاصل على زمالة معهد الفيزياء، وهي جائزة تُمنح من معهد الفيزياء في لندن للفيزيائيين الذين يبدون مستوًى مرتفعًا جدًّا في الفيزياء ويقدمون مساهمة بارزة في هذه المهنة، وألَّف أيضًا كتابَي «أينشتاين ومولد العلم الكبير»، و«هوكينج وعقل الإله».